المنزل المعزول
دعاء زاهدة
على بعد أمتار من بوابة الحرم الإبراهيمي الشريف في مدينة الخليل، وبعد أن تتجاوز حواجز التفتيش الإسرائيلية، يمطرك الجنود الذين يحتلون نقاطا مفصلية من الطريق بالأسئلة: من أين؟ والى أين؟ وماذا ستفعل؟ وإن كنت تتحدث العبرية أم لا.
يسير حازم أبو رجب بخطى سريعة وواثقة باتجاه ما تبقى من منزله المهدد بالإخلاء والاستيلاء عليه، فهو يخشى على أشقائه ووالدته وزوجته من أن يباغتهم مستوطن أو يطلق جندي إسرائيلي يتمركز على بعد أمتار قليلة منهم، غازاً أو رصاصة طائشة، فلا يجد مسعفاً أو عونا له في حدود 500 متر، حيث يقطن هو وأفراد عائلته الاثنا عشر، وسط أكثر تجمعات المستوطنين عنصرية وحقداً تجاه العرب والفلسطينيين.
يقول أبو رجب: في 27 تموز الماضي، أخطرت قوات الاحتلال ومجموعة من المستوطنين والدي علي أبو رجب شفويا بضرورة إخلاء منزلنا الواقع قرب المدرسة الإبراهيمية في البلدة القديمة، وحاول المستوطنون عدة مرات الاستيلاء على المنزل، لكن تصدي أبناء العائلة لهم واعتصامهم داخله منع دخول المستوطنين إليه حتى اللحظة.
يوم الخميس 6 آب الجاري، الساعة 6:30 مساء حضر حوالي 100 مستوطن برفقة عناصر ما تسمى الإدارة المدنية وحاولوا اقتحام المنزل، وفي يوم السبت 8 آب، تم تبليغ السكان وبشكل رسمي من الإدارة المدنية، بضرورة إخلاء المنزل قبل الساعة 10 ليلا بقرار عسكري، واعتبار المنزل منطقة عسكرية مغلقة إلى حين البت في القضية المطروحة في محاكم الاحتلال، رغم انتزاع حكم لصالح عائلة أبو رجب من محكمة 'العدل' الإسرائيلية بتجميد القرار العسكري.
يضيف أبو رجب: جميع الأوراق التي يقدمها المستوطنون في المحكمة أوراق صورية ومزوره، عن طريق شركة إسرائيلية. ادعى المستوطنون امتلاك البيت مرارا عن طريق البيع، ونحن رفضنا الإدعاء، ورفضنا قرارهم بوضع اليد عليه.
ويقول أبو رجب: نحن 120 وريثا للمنزل، وهو مسجل باسم الجد، وبعض الغرف يتشارك فيها 30 وريثا، فهل من المعقول أن يوقعوا جميعاً على صك البيع؟ تعرضنا لمغريات كثيرة من أجل الرحيل وعندما لم نستجب حاولوا إثارة الفتنة بإدعاءاتهم الباطلة.
منزل عائلة أبو رجب هو الشوكة الوحيدة المتبقية في حلق المستوطنين الذين يسعون منذ بداية انتفاضة الأقصى عام 2000م، إلى تهويد المنطقة المحيطة بالحرم الإبراهيمي الشريف والاستيلاء على منازل المواطنين فيها من أجل تحويلها إلى منطقة يهودية، وبمرور الزمن تحول الحاجز الإسرائيلي القريب، من نقطة تفتيش صغيرة إلى حاجز إلكتروني مغلق، قد يستغرق ساعة من الزمن من أجل الوصول إلى المنزل المستهدف.
يقول حازم: عمر البناء القديم للمنزل وحسب تقديرات بلدية الخليل 650 عاما، إضافة إلى الجزء الحديث من البناء الذي تم إضافته منذ 30 عاما فقط، منعنا بشكل قاطع من ترميم أي جزء من المنزل، كما أن أشقائي بالإضافة إلى طلاب مدرستي الفيحاء للبنات والإبراهيمية للذكور، قد تعرضوا لأكثر من محاولة خطف من قبل المستوطنين.
ويضف: منذ 15 عاماً ونحن نعاني وبشكل يومي، إلا أن وتيرة الاعتداءات أصبحت غير طبيعية وغير مسبوقة خلال السنوات الأخيرة.
أفراد عائلة أبو رجب يتناوبون بشكل دائم على حراسة البيت، وهدفهم الأساسي عدم إخلائه ولو لدقائق، خوفاً من السيطرة عليه في أي لحظة.
يقول أبو رجب: 'قاضيك هو جلادك وهو صاحب القرار. الاحتلال ليس بحاجة إلى مسوغات من أجل اقتحام البيوت، وفي شرع الاحتلال سلطة القوة هي التي تتكلم في نهاية الأمر'.
مدير عام لجنة إعمار الخليل عماد حمدان، الذي زار المنزل عدة مرات، يقول: ما يميز هذا المبني موقعه الإستراتيجي جنوب البلدة القديمة بجانب زاوية أبو الريش، حيث نقطة تفتيش إسرائيلية، إضافة إلى أنه يقع بين مدرستين.
ويؤكد حمدان على دور لجنة الإعمار في حماية مباني المنطقة، قائلاً: نحن في لجنة إعمار الخليل نتابع التطورات حول منزل أبو رجب عن كثب من خلال محامينا، حيث ما زالت قضية هذا المبني منظورة أمام المحكمة العليا الإسرائيلية، ومما لا شك فيه أن هناك تواطأ بين جيش وشرطة الاحتلال والمستوطنين في المنطقة.
ويشدد حمدان على أنه في حال إخلاء هذا المنزل بالقوة، فإن هذا لا يعني السماح للمستوطنين الدخول إليه، فقرار المحكمة باعتبار المبنى منطقة عسكرية مغلقة لحين البت في القضية، هو قرار يسري على المستوطنين أيضاً.