الأخوان "رمضان وعزمي" .. رجولة في غير ميعادها!
توفيق المصري
على شاطئ بحر غزة، يقف الأخوان رمضان وعزمي الجوجو ليبيعا البراد طلباً للرزق من أجل الحصول علي لقمة عيش لا يقدر سواهما على جلبها.
وبابتسامة مخبئة وراءها مرارة الحياة، يستقبل الاخوان الجوجو زبائنهم والمشترين، فالأبواب المؤصدة وإن كانت جميلة من الخارج قد نجد داخلها ما يناقضها جمالاً، وبعض الابتسامات يملؤها وجعٌ تتلاطم به الأمواج مداً وجزراً على شاطئٍ يملؤه الكبار قبل الصغار يسرحون ويمرحون.
ويعرب رمضان والبالغ من العمر 14 عاماً في مستهل حديثه لـ"حياة وسوق" عن سعادته ببيعه للبراد معتبراً إياه مصدر رزقٍ شريف في وقت عصيب يعاني فيه الكبار من بطالة مجحفة.
ويقول رمضان انه اختار بيع البراد لأنه مصدر رزق له في فصل الصيف لا سيما أن في هذا الفصل يخرج الناس ليصطافوا هم وأبناؤهم على شاطئ بحر غزة، فيجد أن بيع البراد هو الأكثر قبولاً، وأضاف "أبيع أنا وأخي عزمي من أجل لقمة العيش ومن أجل أن ندر دخلاً نستطيع من خلاله أن نلبي أبسط الحاجيات، وعزمي يبيع إلى جانب بيعي البراد البزر، والشيبس، والبسكويت"، والى جانب عمله يبحث رمضان عن أعمال أخرى في المحلات التجارية.
القصة كاملة
من يقف أمام هذه الابتسامة يشعر أن وراءها ألمٌا، كالجبال التي تأبى الانكسار في ريحٍ عاصف، وربما تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، فرمضان ترك خلفه أحلام الأطفال في الالتحاق بمهنة الطب والطيران وغيرها ليسلك طريقاً لحياة عكس ما تمناها في طفولته، ترك المدرسة من أجل تضميد جرح وللوقوف بجانب عائلته ولمساعدة والده العاطل عن العمل، وقال رمضان" ليَّ أخ لم يبلغ من عمره السبعة أعوام يعاني من حالة صرع وتشنج وزيادة في الكهرباء، وهو بحاجة لعلاج يكلف350 شيقلا شهريا وأيضاً يحتاج للعلاج بالخارج "، وتساءل من سيساعدنا اذا لم نعمل؟
لم يكن رمضان ذا مستوى متدنٍ خلال دراسته، لافتاً إلى أن المدرسين كانوا يسألونه لماذا لم تعمل واجباتك المدرسية؟ وأنهم لم يسألوه يوماً عن وضع عائلته أو حتى عن السبب الذي من أجله لم يقم بعمل الواجبات؟ ويرجع سبب تخليه عن دراسته أن عائلته بحاجة إلى من يقف بجانبها.
ووجه رمضان رسالته للعالم من أجل مساعدة بعضهم البعض حتى تتحسن الأوضاع ومن أجل أن يحصل الأطفال على حقهم في التعليم والعلاج.
ولا تختلف قصة محمود بسام العاصي الشاب القاصر والبالغ من العمر 16 عاماً عن قصة رمضان وعزمي؛ لكن محمود أجبر على ترك الدراسة ليذهب ليبيع البراد، وقال محمود" والدي شديد وإنني لم أترك المدرسة هو من أخرجني منها، فوالدي يترك البيت يوم الخميس والجمعة ولا يعود إلا يوم الأحد ويتركنا دون سؤالٍ عن حاجتنا، دفعني واضطرني ذلك لأبحث عن عملٍ طلباً للرزق لتلبية حاجة البيت والوقوف إلى جانب أسرتي، فأبي منذ فترة ترك البيت60 يوماً على40 شيقلا ولا تكفي لشراء شيء".
وأوضح ان سبب عدم حصوله على البطاقة الشخصية "الهوية" أنه طلب من والده عدة مرات بأن يعمل له البطاقة وكان يقول له "بدري علي الهوية".
القبول بقليل من الدخل
ويبيع محمود البراد بسبب رفضه لفكرة الجلوس في الشوراع لأنها لا تعود إلا بالمشاكل وقال" والله لو لم أعمل لأصبحت أمي تمد يدها للجيران لتلبية احتياجاتنا الأساسية، وأنا لا أقبل على نفسي ذلك".
وعن تفاصيل حياته أوضح محمود أنه يعمل من يوم السبت حتى الخميس مع أخواله على بسطة لبيع الملابس ويحصل على أجرته يومياً، ويبيع البراد في يوم الجمعة على ميناء غزة ولايذهب لمكان آخر لأنه المكان الأكثر زيارة واكتظاظاً بالناس في فصل الصيف.
وتابع محمود" أشتري علبة البراد من المصنع ـبـ14شيقلا وربطة كبايات بـ3 شواقل، بالإضافة لربطة شفاطات بـ3شواقل، لاحقق في نهاية المطاف ربحا مقداره، وأعمل من الساعة السادسة صباحاً حتى آذان المغرب حتى أعود باكراً محملاً لأهلي ما يحتاجونه من مأكل".
ويرفض محمود فكرة العمل أجيرا في بيع البراد لأنه قد يتعرض للخسارة ما ان يذوب الثلج عنه، ويرضى بالربح حتى لو كان قليلاً.
أما محمود أحمد حبوش والبالغ من عمره 15 عاماً وعدد أفراد أسرته 10أفراد لجأ لبيع البراد في إجازة فصل الصيف طلباً للرزق في وقتٍ اضطره لذلك، وقال محمود" اضطررت للعمل لبيع البراد في العطلة الصيفية بعدما تعرض والديّ لحادث سيارة ألزمهما الفراش، وأنا أعمل من أجل لقمة العيش لي ولأسرتي".
مصدرٌ معرض للانقراض
صاحب أحد أكبر المصانع المنتجة للبراد في غزة عاهد حبيب تعرض منزله ومحله ومصنعه للتدمير الكلي خلال الحرب الأخيرة على غزة وتبلغ خسائره 300 ألف دولار، وقال حبيب: إنه يصنع البراد والبوظة ويبيعها لأنها مصدر دخل له في فصل الصيف، وأن رزقته مرتبطة بثلاثة شهور الصيف ولا يوجد أي مصدر رزق آخر، معتبراً رزقته "موسمية"، وطالب حبيب كافة المؤسسات الإنسانية والإغاثية والهيئات الحكومية بتعويض أصحاب المصانع والمحلات التجارية الذين تضرروا في الحرب الاخيرة على غزة.