الاحتلال يشدد من إجراءاته العسكرية شمال الضفة    50 شكوى حول العالم ضد جنود الاحتلال لارتكابهم جرائم في قطاع غزة    دائرة مناهضة الأبارتهايد تشيد بقرار محكمة برازيلية يقضي بإيقاف جندي إسرائيلي    المجلس الوطني يحذر من عواقب تنفيذ الاحتلال قراره بحظر "الأونروا"    14 شهيدا في قصف الاحتلال مناطق عدة من قطاع غزة    16 شهيدا في قصف للاحتلال على وسط قطاع غزة    نادي الأسير: المخاطر على مصير الدكتور أبو صفية تتضاعف بعد نفي الاحتلال وجود سجل يثبت اعتقاله    قرار بوقف بث وتجميد كافة أعمال فضائية الجزيرة والعاملين معها ومكتبها في فلسطين    الرئيس: الثورة الفلسطينية حررت إرادة شعبنا وآن الأوان لإنجاز هدف تجسيد الدولة الفلسطينية وإنهاء الاحتلال    في ذكرى الانطلاقة.. "فتح": الأولوية اليوم وقف حرب الإبادة في قطاع غزة وإعادة توحيدها مع الضفة وتحرير الدولة الفلسطينية من الاحتلال    في ذكرى الانطلاقة.. دبور يضع إكليلا من الزهور باسم الرئيس على النصب التذكاري لشهداء الثورة الفلسطينية    الرئاسة تثمن البيان الصادر عن شخصيات اعتبارية من قطاع غزة الذي طالب بعودة القطاع إلى مسؤولية منظمة التحرير    اللواء أكرم الرجوب: "فتح" لن تسمح لأي مشروع إقليمي بأن يستحوذ على القرار الوطني    متحدثون: قرار وقف وتجميد كافة أعمال فضائية الجزيرة في فلسطين ضروري ويأتي في الاتجاه الصحيح    الامطار الغزيرة تغرق خيام النازحين في القطاع  

الامطار الغزيرة تغرق خيام النازحين في القطاع

الآن

جنين رام الله وبالعكس: حين أهانتني مذيعة صوت إسرائيل

رحمة حجة

بسخرية، يقول أحد الركاب لسائق المركبة التي تُقلّنا من جنين إلى رام الله "خَلّينا نسمع بَالله أخبار العدو"، ليرفع الأخير الصوت، الذي كان قبل السادسة والنصف فجرًا، فيروزيًا. لغة عربية قوية، ونبرة جادّة، وصرامة في نقل الخبر بلا مؤثرات موسيقية، وأصوات إذاعية مُنتقاة بعناية يبدو عليها ترَفُ الخبرة. هذه ملامح شكلية لنشرة أخبار إذاعة "صوت إسرائيل". يسردُ الصوتُ الأخبار، مع الحفاظ على الأسماء والمصطلحات الإسرائيلية الاحتلالية. وبعدها يُعلنُ صوتٌ آخر برنامج "صحافة نت"، الذي يتجول بين الصحافة الفلسطينية والإسرائيلية وغيرها مع إضافات غنائية عربية جميلة. ثم تتلوها إعلانات قصيرة منتهية بتوقيع "سلطة الأمان على الطرق"، وتوصيف لحالة السير في شوارع تعتبر هامة ومفارق طرق تُعتبر فارقة في الأرض المحتلة 48، بأسمائها العبرية الخالصة، حتى استكمال برامج الإذاعة، وإعلاناتها، التي ترافقنا غالبًا حتى بلدة حوّارة، لننضم إلى أثير "صوت النجاح"، وقبل رام الله بنحو 15 دقيقة تتغيّر الإذاعة، وتتوزعُ خياراتنا بين "صوت فلسطين" و"نساء اف ام" و"المؤشر" و"24 اف ام". من الأحد إلى الأربعاء، يستفزني صوت مذيعة تُعلنُ عن برامجها الأربعة؛ فمخارج الحروف من فمها، سائبة، ودَلعُها الذي يبدو لي مُصطَنعًا، وضحكاتها المتتابعة التي تزلقُ فيها صوتها زلقًا، تُشعرُني بالتقزز، سيّما أنه صوتٌ ناطق بالعربية في إذاعة إسرائيلية! شخصيًا، أشعُرُ بالإهانة، تمامًا كما شعرتُ حين رأيتُ امرأة تتضاحك مع  موظف إسرائيلي على جسر "اللنبي" كي يُيسّر مرورها. وفي تطبيق حرفيّ لعبارة "دسّ السُم في العسَل"، تبدو لي هذه الإذاعة. بدءًا من اختيارها للأخبار ونقاش القضايا الراهنة على المستوى السياسي والاجتماعي، مرورًا بالأغاني من كلاسيكيات العرب حتى محدثاتهم، إلى نجوم السينما العربية وتاريخ حياتهم و"تأثير السينما على المجتمع العربي" ورثاء الراحلين منهم. ربما أنا مندهشة ومُستَفَزّة لأنني أستمع حديثًا لهذه الإذاعة! لا، ها أنا أستعيد صوت "زهير عقل"، فجأة. كنتُ أستمع وأخواتي إليه أحيانًا قبل النوم، لنضحك على قصص العشاق والهائمين وذوي الأصوات المرتجفة بسبب "الحب"، وكان الأمر عاديًا، لا يستفزّنا، حتى أنني وابنة جيراننا، تبادلنا مرارًا تلك القصص، فتهيمُ هي وأَضحك أنا. ولا أنكر في ذاكرتي برنامجًا في "تلفزيون إسرائيل" كانت تقدمه شابة فلسطينية جميلة إلى جانب "شاب إسرائيلي جميل"، يروّجان فيه لـ"التعايُش"، وكنتُ أنتظره بشغف. بحثت كثيرًا في "جوجل" لأصل الى اسم   البرنامج، دون جدوى. لا يهم؛ فكم من طفلة وطفل الآن تجذبه برامج مشابهة دون رقابة حقيقية ووعي حقيقي من الأهل؟! منذ نحو أربعة شهور أسمع الإذاعة يوميًا، دون أن أستسيغ مطروحاتها من القضايا أو دور الفسطينيين فيها. هل يُمكن أن أعتادَها مع الوقت؟ امرأةٌ من "شفا عمرو" تتصل لتُخبر عن مشكلتها مع "حماتها" في حلقة خاصة عن العلاقة بين "الحماة والكنّة"، ورجلٌ من "أم الفحم" يتكلّم عبر الأثير عن أهمية حل المشاكل في "الوسط العربي" دون اللجوء إلى الشرطة، وتستشيطُ المذيعة "غضبًا" من رأيه، ثم تقول له "الخلاف في الرأي لا يُفسد للود قضية"، ومذيعٌ يطرح الفرق بين "شفط الدهون وشدّ الأرداف" للحصول على "قوام جميل"، وآخرون، حتى مناقشة "الطُوش" وحوادث السير وجرائم القتل أيضًا في "الوسط العربي"... إلخ، أمور تبدو عادية جدًا، إلا أنها ليست عادية أبدًا حين أسمعها بأصوات تخدم الاحتلال بحُجّة "تعزيز التفاهم والسلام ما بين إسرائيل والشعوب العربية المجاورة"، حسبما تُعرّف الإذاعة نفسها. وتتبع "صوت إسرائيل" وفق مركز "مدار للدراسات الإسرائيلية"، لسلطة الإذاعة الإسرائيلية في مكتب رئيس الحكومة، كما بقيت النواة الأساسية للإعلام الإسرائيلي الرسمي لحين إقامة التلفزيون الإسرائيلي العام سنة 1968. وكغيرها من التجارب الاستعمارية، لا تختلف إسرائيل عن سابقاتها من الدول المُستعمِرة في اتخاذ الإعلام سبيلًا لقلب الأمور لصالحها، ضد الآخر "المُستَعمَر". وفي ذلك يقول الكاتب والمفكر العراقي عبد الكريم صالح المحسن: "الغزو الإعلامي يعبر عن آليته بشكل رئيس من خلال التنميط الذي يعني إنتاج نمط إعلامي وثقافي واحد عبر وسائل السيطرة المختلفة كالتقنية والمعلوماتية والاتصالات ثم يحضر مصطلح التغطية The Covering، وهو أسلوب إعلامي من أجل التضليل بقصد قلب الحقائق أو تزييف الوعي وتشكيل العقول وفق إملاءات شروط الهيمنة لغزو واحتلال العقول". نغَمةُ الشعار لا تزال عالقة في ذهني "صوت إسرائيل.. بنسمعكو وبتسمعونا". نعم، يَسمعوننا ونَسمعُهم. نُسمِعهُم ما يُريدون، ويُسمعوننا ما نريد، بالطريقة التي "لا نريد" ويريدون.   

ha

إقرأ أيضاً

الأكثر زيارة

Developed by MONGID | Software House جميع الحقوق محفوظة لـمفوضية العلاقات الوطنية © 2025