قلقيلية تئن من انقطاع الكهرباء
يونس نزال
أصبح النظر إلى الساعة في مدينة قلقيلية شمال الضفة الغربية هذه الايام عادة دائمة لدى المواطنين، الذين باتوا ينظمون امورهم ويضبطون اعمالهم حسب الجدول الزمني الموضوع لقطع التيار الكهربائي عن منطقتهم في ظل درجات حرارة لامست الاربعين مئوية.
ويشبه العديد من ابناء المدينة شبه الساحلية (لا تبعد سوى 10 كيلومترات عن البحر المتوسط) وضعهم الحالي بالوضع في قطاع غزة الذي يعاني منذ سنوات ازمة كهرباء مستعصية.
فمع تزايد الطلب على الكهرباء بسبب موجة الحر الشديدة التي ضربت فلسطين والمنطقة خلال الاسابيع الاخيرة ووصول درجات الحرارة الى مستويات قياسية، وما رافقها من نسب رطوبة مرتفعة جدا، اصبح من الصعب ان لم يكن من المستحيل على المواطنين البقاء في منازلهم دون وجود اجهزة تكييف.
هذه الاخيرة شهدت بدورها طلبا غير مسبوق من قبل المواطنين، حتى اصبح الحصول على جهاز تكييف 'مستعمل' يحتاج الى حجز 'تسجيل اسم' ليتم توفيره بعد اسبوعين او اكثر.
ومع ارتفاع الاحمال على شبكة الكهرباء اصبحت الانقطاعات متتالية وبات الوضع لا يطاق، ووجدت الجهات المعنية 'البلدية' صعوبة في حل المشكلة مع امتناع الاحتلال عن تزويد المدينة بحاجتها من الكهرباء والاكتفاء بالكمية المحددة شهريا، وعدم مراعاة ارتفاع الأحمال بالتزامن مع اشتداد حر الصيف.
هذه الاوضاع دفعت البلدية وكحل مؤقت إلى تقسيم المدينة إلى 6 مناطق، يتم قطع التيار الكهربائي عن كل منها بشكل دوري، حتى لا يحدث انقطاع عن المدينة بشكل كامل.
وبحسب هذا التقسيم يتم قطع التيار عن كل منطقة من هذه المناطق لمدة ساعتين صباحا ومثلها مساء وهذا الجدول معمول به حسب توصيات مهندسي الكهرباء في البلدية.
وبالرغم من انتظام العمل بهذه الالية منذ قرابة 10 ايام، الا ان العديد من المواطنين والتجار بدأوا يئنون من هذا الوضع.
'أم غسان' أم لثلاثة أطفال أكبرهم في السابعة من عمره، احدهم مريض يتلقى علاجه ثم يعود إلى المنزل، وحسب تعليمات الطبيب المعالج يجب أن تبقى درجة الحرارة منخفضة في المكان المتواجد فيه ابنها المريض، في ظل انقطاع الكهرباء تتساءل ماذا افعل في هذا الوضع؟ وتضيف: 'الطبيب أوضح أن ارتفاع الحرارة يؤثر على صحة ابني... المنزل حرارته لا تطاق ونحن كبار ولا نحتمل درجات الحرارة فكيف بالأطفال؟
اصحاب المحال التجارية في وسط المدينة ضاقوا ذرعا بهذا الوضع، ولجأ العديد منهم لشراء مولدات كهرباء للحيلولة دون ضياع الموسم التجاري والذي يترافق مع العودة للمدارس وقرب حلول عيد الاضحى المبارك.
وبالرغم من تكلفتها الباهظة وضجيجها المرتفع الا ان عديد التجار لجأ الى هذه الوسيلة حفاظا على ما تبقى من الموسم كما يقولون.
على ان مشكلة جديدة واجهت العديد من المواطنين بسبب الانقطاع المتكرر للكهرباء، وتتمثل في تلف العديد من الاجهزة الكهربائية في منازلهم بسبب هذه الانقطاع.
المواطن أبو احمد بكر، يقول ان الانقطاع المتكرر للكهرباء تسبب بعطل الغسالة، وبالرغم من معاناته في البحث عمن يصلحها في هذا الحر الشديد، الا انه يقول 'لا أريد تعويضا، ولكن أريد ألا يتعطل أي جهاز آخر في المنزل'.
المواطن عبد نزال يقول منذ بداية مشكلة الكهرباء وبسبب الفصل والشبك المتكرر خلال ثوان للكهرباء، تعطلت الثلاجة نهائيا وهو يخشى شراء ثلاجة جديدة لعدم حل مشكلة الكهرباء حتى الآن.
القطاع الزراعي بدوره ناله نصيب من هذه الازمة، حيث نفقت مئات الطيور بسبب انقطاع الكهرباء عن البركسات لفترات طويلة.
صاحب مصنع ألبان يقول: استهلاك مصنعه للكهرباء ازداد خلال هذه الفترة بسبب الانقطاع لساعات طويلة، ما يتسبب في ارتفاع حرارة الألبان وهو ما يحتاج الى تبريدها مرتين بدل مرة واحدة.
الجدول الزمني الذي وضعته البلدية لحل أزمة الكهرباء لم يوقف تساؤلات المواطنين حول سبب حدوثها أصلا؟ وعدم وجود تخطيط مسبق كما يقولون لمواجهتها قبل حدوثها؟ وما ذنب المواطن أن يدفع مقدما ثمن الكهرباء ولا يحصل عليها؟ وإلى متى ستبقى هذه الحالة؟
رئيس بلدية قلقيلية عثمان داوود يؤكد ان مشكلة انقطاع التيار الكهربائي ليست بيد البلدية، موضحا أن هناك دراسة معدة لسنوات طويلة عن حاجة مدينة قلقيلية المتزايدة للكهرباء، مشيرا الى ان المشكلة بدأت عام 1999، حيث كانت قلقيلية تشتري 6 ميغاواط من الشركة القطرية، وبعد مطالبات لسنوات وافق الجانب الإسرائيلي عام 2005 على رفعها إلى 9 ميغاواط، ومنذ ذلك التاريخ ومع تعاقب المجالس البلدية وهي ثلاثة مجالس على إدارة البلدية ومطلبهم الأول رفع الكهرباء ورفع القدرة إلى 16 ميغاواط، لكن الاحتلال رفض هذا الأمر وقام عام 2013 برفعها إلى 13 ميغاواط فقط.
ويضيف داوود، تقدمنا في المجلس الحالي ومنذ عام 2012 بعدة طلبات لعمل نقطة ربط كهرباء جديدة ورفع القدرة إلى 20 ميغاواط، وتم دفع ثمن نقطة الربط الجديدة كاملا، ومنذ 3 سنوات ونحن ننتظر الموافقة على هذا الأمر لدرجة أننا وافقنا على جعل النقطة على عامود كهرباء في وسط الشارع حتى لا يكون هناك أي مبرر للشركة بالرفض، ولكنهم لم ينفذوا 'الشركة القطرية' حتى الآن، بحجة عدم الحصول على الموافقات المطلوبة وهي كثيرة وكل يوم تضاف إليها موافقة جديدة.
من جهته، يوضح مدير دائرة البنية التحتية في الارتباط المدني في قلقيلية توفيق شقير، أن مطالباتنا مع الجانب الإسرائيلي مستمرة، آملا بحل المشكلة خلال الأشهر المقبلة، مؤكدا ان الاجتماعات مع الجانب الإسرائيلي لحل مشكلة الكهرباء مستمرة ولن تتوقف حتى يتم رفع القدرة وعمل نقطة ربط جديدة.
ويؤكد داوود انه عندما تعود درجات الحرارة الى طبيعتها سيتم إلغاء جدول الفصل عن المناطق ولكن في الفترة الحالية لا يمكن لعدة أسباب، احدها إرسال الاحتلال كتابا رسميا بواسطة الارتباط يفيد بأن أي حمل زائد على الشبكة مهما كان صغيرا سيتم فصل الكهرباء عن قلقيلية مباشرة، مبديا استغرابه من هذا الأمر لأنه في فترات سابقة كانت البلدية تجتاز الحمل المقرر ولا يتم الفصل نهائيا.
ودعا نائب محافظ قلقيلية حسام أبو حمدة، المواطنين إلى التحلي بالمسؤولية والوحدة في مواجهة هذه الأزمة الطارئة، وقال 'إن أي مشكلة لن نستطيع حلها إلا بالتعاون والحرص من الجميع، وان الجميع يجب أن يكونوا شركاء في حل هذه المشكلة وتجاوزها.
ويرى أمين سر حركة فتح في قلقيلية محمود ولويل، أنه ليس هناك ما يستوجب الخلاف، فهمنا يجب أن يكون المحافظة على المدينة وحمايتها واستمرار تطورها ونهضتها، مؤكدا أن مشكلة انقطاع الكهرباء هي على كافة مواطني المدينة، والمطلوب الوقوف صفا واحدا لوضع الحلول المناسبة.
وطالب ولويل البلدية بضرورة تشكيل لجنة لحصر الأضرار جراء انقطاع الكهرباء وتعويض المواطنين، واعدا بمتابعة هذا الموضوع مع الجهات المختصة، مشددا على ضرورة عدم اغفال دور الاحتلال في هذه الازمة 'فهو يتحكم بكل شيء'، داعيا إلى تعزيز صمود مؤسساتنا الوطنية ودعمها ومساندتها.
وحث بلدية قلقيلية على الاستمرار بتنفيذ المشاريع الحيوية والبنية التحتية تعزيزا لصمود المواطن ومكانة المدينة وتنميتها، مشيرا الى أن حركة فتح تسعى للحفاظ على المدينة وإرث الاباء والاجداد، والمحافظة على السلم الأهلي، وان تكون قلقيلية دائما ساحة للأمن والأمان والازدهار.