مستعمرون يقطعون عشرات الأشجار جنوب نابلس ويهاجمون منازل في بلدة بيت فوريك    نائب سويسري: جلسة مرتقبة للبرلمان للمطالبة بوقف الحرب على الشعب الفلسطيني    الأمم المتحدة: الاحتلال منع وصول ثلثي المساعدات الإنسانية لقطاع غزة الأسبوع الماضي    الاحتلال ينذر بإخلاء مناطق في ضاحية بيروت الجنوبية    بيروت: شهداء وجرحى في غارة إسرائيلية على عمارة سكنية    الاحتلال يقتحم عددا من قرى الكفريات جنوب طولكرم    شهداء ومصابون في قصف للاحتلال على مناطق متفرقة من قطاع غزة    "فتح" تنعى المناضل محمد صبري صيدم    شهيد و3 جرحى في قصف الاحتلال وسط بيروت    أبو ردينة: نحمل الإدارة الأميركية مسؤولية مجازر غزة وبيت لاهيا    ارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة إلى 43,846 والإصابات إلى 103,740 منذ بدء العدوان    الاحتلال يحكم بالسجن وغرامة مالية بحق الزميلة رشا حرز الله    اللجنة الاستشارية للأونروا تبدأ أعمالها غدا وسط تحذيرات دولية من مخاطر تشريعات الاحتلال    الاحتلال ينذر بإخلاء 15 بلدة في جنوب لبنان    شهداء ومصابون في قصف الاحتلال منزلين في مخيمي البريج والنصيرات  

شهداء ومصابون في قصف الاحتلال منزلين في مخيمي البريج والنصيرات

الآن

رأيتُ رام الله: رابين سَلَبنا كلّ شيء حتى روايتنا لموتنا !

رحمة حجة 

"فلاش باك"

- صباح الخير
- صباح الخير سيدتي

أنا مندهشة و"معجوقة" ومتشككة "إنت مريد البرغوثي نفسه؟"

- أنا هو!

أتذكّر هذا الحوار بعد مرور نحو خمس سنوات عليه، حين أضفتُ اسم "مريد البرغوثي" لقائمة أصدقائي في "الفيسبوك"، وظلّ الشك في أن مريدا ليس هو. ربما لبداية دخولي العالم الافتراضي وشَدَهي بفكرة تحول الشخصيات العامة من فنانين وشعراء وأدباء وسياسيين وإعلاميين، إلى أسماء في الانترنت يسهلُ الوصول إليها بعدما كانت بعيدة المَنال.

أعيدُ ترتيب ذاكرتي، فأراني ألتقط من رف في مكتبة الجامعة ديوانًا كبير الحجم لون غلافه "بيج غامق"، كُتب عليه "الأعمال الشعرية- مريد البرغوثي". لم أكمل قراءته آنذاك، لأنه ببساطة لم يَشغُفني.

وكان اسم مريد يتردد في النقاشات الطارئة داخل قاعات الدرس في كلية الإعلام، حين الحديث عن ابنه الشاعر تميم، الذي كان أكثر شهرة من أبيه بين الأجيال الشابّة، خاصّة بعدما ذاع صيتُ قصائده وأهمها "في القدس". قالت لنا الدكتورة وداد البرغوثي يومها "حرام أنكم لا تعرفون مريد".

أذكر كيف اكتظت قاعة الشهيد كمال ناصر بالطلبة المتلهفين لسماع تميم حين زارنا في جامعة بيرزيت عام 2008، وألقى قصائده كالسهام في قلوبنا وأذهاننا. وأيضًا لم أبق حتى النهاية بسبب الأزمة على المداخل، التي منعتني رؤيته.

"رأيتُ رام الله"، وردَ في محاضرة للدكتور وليد الشرفا، حول الأدب الفلسطيني الذي برأيه –حينها- لم يُنجب روائيين أفضل من غسان كنفاني، واقترب منه لاحقًا حسين البرغوثي في بعض أعماله، لتنطق زميلتنا "وطن" و"رأيتُ رام الله لمريد البرغوثي"، ثم قال الشرفا "بعد كتابه تشوق كثيرون ممن يعيشون في الخارج أو الأجانب لرؤية معالم رام الله التي ذكرها". في تلك اللحظة كنتُ أغبطُهما وأقضمُ أظافر الزمَن الذي أخّرني عنهما، لأنهما يعلمان ما لا أعلم!

ظلّ اسم الكتاب في رأسي نائمًا دون تتبع صفحاته، حتى زرتُ الأردن للمرة الأولى بعد 16 عامًا، لأكتب نصّا عنوانه "رأيتُ عمّان"، رغم أني لم أقرأ حتى جملة واحدة من كتاب مريد.

هذه المسافة الزمنية، أوصلتني لنابلس قبل أسابيع، حين أعارتني الكتاب صديقة جميلة من قرية "بيت امرين".

مسامير

قرأت الكتاب في السيّارة متنقلّةً بين جنين ورام الله، أحيانا أغفو وثانية أقاوم نعَسي فيه، وثالثة أقاوم دمعي الذي يهطلُ مخنوقًا وأسود على وجهي، وإذا هُزمت، أقفل الكتاب.

أعتقد أن قيمة أي كتاب في ما يفعله فينا، في ما يُعطينا، وإلى أينَ يَأخُذنا. إن كتابًا لا يُشعل أحاسيسي أو ينفضُ غُبارًا عن عقلي ويُضيف له، أو يُؤججُ الحقد على الظلم والظالمين المنتشرين في بقاع العالم، عبارة عن مَضيَعة للوقت.

ومن "الجسر" إلى "هنا رام الله" و"دير غسانة" و"الساحة" و"الإقامة في الوقت" و"عمو بابا" و"غربات" ثم "لم الشمل" حتى "يوم القيامة اليومي"، يتنقل مريد بتؤدة في رحلته، وسريعًا أيضًا في ذاكرته، أقصد "في الوقت نفسه"!

فبعد 30 عامًا من الغربة والتغريب عن البلاد، يعود مريد إليها، ثم يتلو زيارته، بدءًا بـ"الجسر" كما تُسميه زوجة عمّه.

يقف مريد في كتابه بين ماضيين وحاضر واحد، ينهيه بورقة واحدة عن المستقبل، يُخبرنا فيها أن تميم سيزور البلاد بعده، حيث كتب "سأعود معه إلى هنا.. سيراها. سيراني فيها. وسنسأل كل الأسئلة بعد ذلك".


الماضي الأول لرام الله كمدينة درس وقرأ وسهرَ وشاهد السينما فيها، ودير غسانة مسقط رأسه وطفولته وملعبه. والثاني في غُربته ومنفاه وأصدقائه من الباقين والراحلين والشهداء ولقاء عائلته لأول مرة منذ 10 أعوام في فندق، ثم تفرقهم بعده، حتى وفاة والده ووفاة شقيقه منيف، إلى عائلته الثانية "رضوى وتميم" وتغريبه عنهما 17 عامًا، يتلاقون خلالها في إجازات قصيرة. أما الحاضر فهو رام الله ودير غسانة والوجوه والأماكن فيهما، ما تبقّى ومن بقي، ما تغيّر وما أُضيف، وما هارَ من الثورة وثوارّها وما قَرّ فيها.

مريد لا يُقدّس المكان والزمان والأشخاص، إنه ينحاز إلى ما يجذبه فيها جميعًا، كما ينحاز إلى مستقبل أفضل.

أوصافه الجميلة للأماكن والأحداث السابقة لا تعني تغنّيه بها وتمنّي عودتها، إنه حريصٌ أكثر على ما يجب أن تؤول إليه. ينتقد بقاء بعض المنازل والطرق في قرية دير غسانة على حالها رغم مرور 30 عامًا عليها، ويستفزه ثبات الوضع في حسبة خضار رام الله، رغم الـ 30 عامًا أيضًا، ويؤسفني أن أقول لمريد إن "أرضيّة الحسبة التي رأيتَها عام 1996 لا تزال في 2015 كما وصفتها، كـسطح المستنقع لزجة غامقة اللون مغطاة بالبقايا والقشور والعفن الملون".

يرى مريد أن الاحتلال أحد أسباب هذا التأخُر في بلادنا التي تتحرك ببطء شديد نحو المستقبل حتى "تتضح الأمور"!

يغصّ حلق الكلمات حين يصف خطاب اسحق رابين، الذي صفق له العالم: "لم نعرف عامًا واحدًا أو شهرًا واحدًا لم تبكِ فيه أمهاتنا أبناءهُن"، ليُعقب الكاتب: "رابين سلَبنا كلّ شيء حتى روايتنا لموتنا".

ينتقلُ وجعه إليّ، تمامًا كما انتقل حين وصف بالحذافير موت شقيقه منيف وإيصاله الخبر لأمه، كنتُ أقرأ كما لو أنني أدوس بقدميّ الحافيتين أرضًا مزروعةً بالمسامير، وشعرتُ أن مشهد الموت منقوص، ربما يكون مريد داس أيضًا على ذات المسامير حين كتبه!

 

في هذا الكتاب سيرةٌ ذاتية، كتب مريد في أواخر صفحاتها أنه لا يعرف لم أغفل بعضا من ذاكرته وسردَ آخر. حين وصف بحُب أحببتُ المشهد. وحين وصف بحُزن، حزنت على التغريب والموتى من الفلسطينيين المنفيين في بلاد خذلتهم، مثل لؤي.. لم رميتِه في البئر يا زوجَتهُ "الجميلة"؟!

يشرحُ مريد تفاصيل صغيرة جدًا ويصف الأحداث بدقة، متغنيًا أحيانًا بملامح شخصيّته. لا يتجاوز تجربته الشخصية في الحديث عن الأشياء، فهو لا يسوق الافتراضات والاحتمالات، "الجسر" نموذجًا. إنه واقعيّ بشكل أخّاذ. أتساءل، لم هو شاعر وليس روائيًا، أو على الأقل لم لا يكون الاثنين؟

ha

إقرأ أيضاً

الأكثر زيارة

Developed by MONGID | Software House جميع الحقوق محفوظة لـمفوضية العلاقات الوطنية © 2024