نيراز ولميس.. أحلام بالعودة إلى الفردوس المفقود
عبد الرحمن القاسم يحلم الشاب 'العولمي' نيراز سعيد، الذي رصد بعدسة كاميرته صورا حية لجحيم حياة مخيم اليرموك ومعاناة أهله هناك، بالعودة إلى قريته عولم جنوب غرب طبريا.
وعولم قرية كغيرها من القرى الفلسطينية التي دمرها الاحتلال الإسرائيلي سنة 1948، وشرد سكانها، غير أنها بقيت محفورة في ذاكرة ووجدان اهلها، وفي ذهن جيل لم يرها قط ويحلم بالعودة إليها، كحق طبيعي وإنساني بالعودة لوطن الآباء وملجأ آمن من جور بلاد الشتات، وهروبا من حصار ودمار لحق ببعض من سكانها ممن يقطنون في مخيم اليرموك.
صور نيراز، الحالم بالعودة إلى الوطن، كانت احد اهم رسائل الفيلم الوثائقي 'رسائل من مخيم اليرموك' للمخرج الفلسطيني رشيد المشهراوي، والذي عرض اليوم الأربعاء، في قاعة جمعية الشابات المسيحية في محافظة أريحا والأغوار، في إطار نشاطات صالون مي زيادة الثقافي. الفيلم حمل رسالة لميس، خطيبة نيراز، والتي تمكنت من الوصول الى ألمانيا، وما زالت تترقب في صالات الانتظار الألماني البت في طلب قبولها كلاجئة للمرة الثالثة بعد محطة لجوء اهلها لاحد المخيمات في سوريا، ولجوئهم ثانية الى مخيم اليرموك قبل اشتداد الحصار والقصف عليه، وفي انتظار ان يتمكن حبيبها نيراز من مغادرة المخيم المحاصر ولقاء لميس التي هجر اهلها من قرية نحف التي تفوق الكثير من عواصم اللجوء جمالا. ونحف 'بفتح النون وسكون الحاء'، قرية تقع شرقي قرية دير الأسد في منطقة عكا، والبلدة القديمة مبنية على تل مرتفع حوالي 380 م عن سطح البحر، أكثر اشجارها الزيتون (400) دونم، وهي الآن قرية عربية وعدد سكانها ما يقارب الـ12000 نسمة واكثر. والى جانب رسالة نحف وعولم، حمل الفيلم رسالة اصرار أيهم على التنقل بآلة البيانو وسط انقاض الركام وشظايا القذائف المتناثرة في ازقة ودهاليز مخيم اليرموك، حيث ينتشر الرعب والقتل والاعضاء المبتورة لناجين من القتل..، ولتعزف اصابع أيهم الحانا وموسيقى تقتحم صمت الموت وتترك مساحة من الأمل.. الأمل الذي ارتسم على بعض وجوه اطفال المخيم وعلى وجه مرح العايدي، الطفلة ذات العشرة أعوام، حيفاوية الأصل والتي ترفض الهجرة واللجوء مجددا وتأمل بالعودة الى فلسطين. وفي وقت لاحق من الفيلم، استشهد محمد 33 عاما، شقيق المصور نيراز، وطالت قذيفة عمياء آلة البيانو، واصبح أيهم يعزف على الكمان. أيهم يعيش الآن مطاردا ومطلوبا من قبل داعش، فيما لا تزال لميس تنتظر حبيبها في ألمانيا، ويحلم نيراز بالعودة إلى قرية عولم، والطفلة مرح بالعودة الى حيفا.
يقول عضو الصالون المحامي حسن صالح، إن مخيم اليرموك من اكبر المخيمات الفلسطينية في سوريا وفلسطين، ويقطنه مواطنون سوريون، ويبلغ عدد سكانه اكثر من 400 ألف نسمة، وهو واحد من محطات الشتات والمعاناة المستمرة منذ اكثر من ستة عقود.
وتضيف المؤرخة د. فوزية شحادة، إن الرواية التاريخية للشعب الفلسطينية متجذرة واعمق من محاولات الزيف، فهذا الجيل الثالث يحلم بالعودة الى نحف وعولم وطبريا وعكا، ويحفظ ازقتها رغم انه ولد قسرا في المنافي. 'رسائل الفيلم واضحة وتتمثل بأن الشعب الفلسطيني واحد بهمومه وآماله واصراره على الصمود والعودة، وان يمارس الحياة بكل طقوسها: الموسيقى، والفرح، والحلم رغم الألم' يقول عضو المجلس الوطني الشيخ داوود عريقات. ويضيف، 'رأينا كيف وثق الفيلم خروج ابناء المخيم رغم حالة ضنك العيش والحصار، تضامنا مع ابناء وطنهم او في مواجهة أي اعتداء اسرائيلي على قطاع غزة المحاصر وعلى الاقصى الشريف. وكان متحف محمود درويش في مدينة رام الله استضاف في وقت سابق معرض صور فتوغرافية من مخيم اليرموك للمصور الفلسطيني الشاب نيراز سعيد، مندرجة تحت عنوان 'للحلم بقية'.. صور تحمل أحلام الآلاف من فلسطينيي اليرموك في فك الحصار والعودة إلى فردوسهم المفقود.. وطنهم فلسطين الذي لا وطن لهم سواه!