"عكّا حيفا يافا الناصرة..." كراج الظاهرية صلة الوصل وحبل الود
محمد مسالمة – "عكا حيفا يافا الطيبة، كفر قاسم... يا شباب آخر راكب على الخضيرة... "، قد يكون عادياً ان تسمع هذه النداءات في موقف مركبات عمومية "كراج" في أراضي 1948 مثلاً، ولكن ان تكون هذه النداءات في الضفة المحتلة وتحديدا جنوب الخليل، فسيثير ذلك علامات الاستغراب بالنسبة لك.
كل ما يتبادر الى بالك في أول وهلة ان طرق الوصل الى هذه المدن مقطوعة منذ بداية الانتفاضة الثانية.
وهنا، يتسلل الى داخلك شعور بالرغبة الشديدة للاجابة على أسئلة كثيرة عند سماعك لصوت سماسرة المركبات وسائقيها الذين يقفون في "محطة" شبه مكتظّة بالمسافرين في مدينة الظاهرية.
في طريقك الى الظاهرية... تستقل سيارة العمومي من مجمع بلدية الخليل، غالباً تجد نسبة كبيرة من الراكبين ليسوا من اهل المدينة، ولا يعملون فيها، ولا هم من محافظة الخليل ايضاً، انما هم المسافرون الى اراضي عام 48، ذاهبون لتخطي بوابة في جدار الفصل العنصري، يبتر الأمل جزءاً منها.
تصل الى المكان ويبدأ صوت السماسرة والسائقين على محطة اراضي عام 1948 يتعالى بأسماء الأماكن، يتخطفون الركّاب ليقصدوا بهم حيث بوابة العبور جنوب المدينة.
"الطريق الى مدن الداخل سالكة..."
هناك قابلنا سائق يدعي ( م.ج) يقول: على الرغم من ان الاحتلال يقطع كل الخطوط على مدن الداخل الا انها "سالكة" من هنا على حيفا وعكا والرملة والناصرة وام الفحم سوى "ايلات"، وان المواطنين وبالتحديد العاملين يأتون من كل انحاء الضفة بداية من جنين ونهاية بعمال المدينة– الظاهرية- نفسها. ويوضح ان يومي السبت والاحد هما الاكثر اكتظاظاً بالمسافرين، اذ يصل عددهم الى أكثر من 4000 شخص يجتازون "بوابة الامل" الى عملهم داخل "اسرائيل". وتابع: نحن نوصلهم بمركباتنا الى الجدار الفاصل، ومن هناك يستقلون مركبات وباصات لسائقين من الداخل". وأضاف: كل سائق من هنا يتفق مع آخر من الداخل، والاجرة يدفعها المواطن لكل جهة، التسعيرة من الظاهرية "للجدار" موحّدة، وتبلغ 50 شيقلاً، ومن هناك تختلف التسعيرة باختلاف المدينة التي يقصدها المسافر، مثلاً الى عكا التسعيرة من الظاهرية الى هناك تصل 300 شيقل، في حين ان المواطن الذي يملك تصريح دخول لا تتعدى اجرته 120 شيقلاً. وأشار الى أن بعض العاملين يحجزون مقاعدهم قبل يوم من الوصول، في حين بعضهم يصل وعلى الفور يسجل نفسه راكباً، فيما يتبع بعض العمال شركاتهم التي تحاسب السائقين بشكل شهري عنهم. وعلى الجدار الفاصل يزداد الوضع الأمني تشديداً اذا ما احتد المشهد العام خطورة، فتجد الجيش ينتشر ويمنع عبور الطيور اذا ما وقع حدث أمني في اسرائيل او في الضفة على حد سواء، بينما تقل الحدّة ويستطيع المسافر العبور بكل سهولة اذا ما كان الوضع مستتباً.
عائلات من مدن الضفة.. الى العمل !
اما عن الركاب، فبعضهم يمثل عائلات كاملة، كالعاملين في موسم قطف الزيتون الذي يصادف بعد شهر من الان تقريباً، تأتي عائلات كاملة الى مدينة الظاهرية من شمال الضفة تقطع جدار الفصل العنصري الطريق بين اماكن عملهم واماكن سكنهم، وبالتالي يضطرون للوصول عن طريق الظاهرية. وتابع: اخبرتني العائلات انها اذا ما وقفوا على أسطح منازلهم في قلقيلية وطولكرم، فانهم يرون أماكن عملهم، ولكنهم ياتون هنا، ليعاودوا الذهاب الى قلقيلية في الجهة المقابلة من الجدار لكي يصلوا الى عملهم، ويتحملون عبء المواصلات وتعب سفر كبير هم واولادهم ونساؤهم.
ام رائد تعود لبيتها بعد زيارة أهلها
دخلنا الى استراحة "المحطة" وفي زاويتها عند الباب تقف امرأة اربعينية تترقب قدوم مركبة الى "النقب"، وتسأل السماسرة، اقتربنا منها وسألناها إلى أين تريد التوجّه؟، فقالت انها امرأة من الظاهرية تبلغ من العمر 49 عاماً، وتسكن في منطقة اسمها "حورة" في النقب، حيث انها متزوجة فلسطينيا يحمل الجنسية الاسرائيلية، وترفض سلطات الاحتلال اعطاءها لمّ شمل مع زوجها، وكذلك تصريح عبور الى بيتها في الداخل، وبالتالي تأخذها الطريق الى "بوابة الأمل" رغم خطورة اجتيازها أحياناً. تقول (ام رائد): ان صعوبة التنقل عليها بسبب كبر سنّها، تجبرها على قضاء وقت طويل بين كل لقاء بأهلها. وهي قادمة من "حورة" وخلال عبورها من فوق سلك شائك علقت "عباءتها" فيه، وتمالكت نفسها عن السقوط ارضاً، بمساعدة مجموعة من الشباب كانوا يرافقونها في العبور. سلطات الاحتلال لا تسمح لمن هم دون سن الخميسن من العبور بغير تصاريح، ومضى على عبورها بهذه الطريقة منذ اغلاق اخر فتحة في جدار الفصل العنصري، مع انها متزوجة منذ 20 عاماً، فوقعت ضحية جريمة التفريق بين اهلها وعائلتها في الداخل. وتضطر لتحمل كافة الصعوبات والمخاطر لكي تتواصل مع طرفي حياتها.
العمّال يشترون اغراضهم وقهوتهم ويقصدون...
على جانب المحطة بائع على بسطة تحمل بعضاً من الملابس وادوات اخرى تنفع العاملين او المسافرين، وتتضمن كشكا لبيع السجائر وبطاقات شحن الهواتف، يقول صاحبها ان 90% تقريباً من القادمين الى الاستراحة من فئة الشباب، واعمارهم تترواح بين 18 - 30 عاماً. وتابع معظمهم عاملون، ويحتاجون الى بعض الاغراض، وانا اقدم لهم بعض ملابس العمل، والاحذية، واصادف عمالاً من نابلس والخليل وطولكرم وكافة المناطق، عندما يصلون هنا يقومون بشراء ما يلزمهم، ويشربون القهوة في الاستراحة ويقصدون الى حيث يريدون في هذه المركبات". وأشار الى ان بعض الاوقات تكون الطريق امامهم صعبة، واحياناً مغلقة، فيضطرون للبقاء في الاستراحة الى أن تصبح الطريق آمنة، وفي الوضع الطبيعي لا يقفون اكثر من 20 دقيقة ويذهبون. في بداية الاسبوع وبالتحديد يومي السبت والاحد، تكون الحركة التجارية على الكشك جيدة، فالآلاف من العاملين يشترون اغراضهم، وتبدأ تقل حركة المسافرين يوم الاثنين، اذ ينخفض العدد الى 500، والثلاثاء اقل الى يوم الخميس الذي يشهد عبور نحو 100 شخص فقط. تغادر المنطقة ولا يزال صوت السائقين يصدح عالياً بأسماء المدن المحتلة عام 1948، فالطريق لا تنقطع بقاصديها، واذا اشتدت الظروف صعوبة وازداد الخطر عند "بوابة الأمل" يبقى المواطن في الاستراحة على جانب الطريق ينتظر الأمان، وينطلق مع السائقين الى حيث المراد.