دوما تفتقد ابتسامة ريهام دوابشة
خلدون البرغوثي - ليست وحدها رائحة منزل أسرة دوابشة تذكر كل من يدخله بالنيران التي اشتعلت فيه قبل نحو أربعين يوما. ولن تكون جدران المنزل التي اختفى لونها الأصلي تحت طبقة من السخام الأسود وصارت لوحا يعبر فيه الزائرون عن مشاعرهم تجاه الأسرة الفقيدة، ما سيذكر الطفل أحمد -أطال الله عمره-، بما حل بأسرته.
زجاجات حارقة ومجموعة إرهابية من المستوطنين وأربعون يوما كانت كافية لتحفر في ذاكرة دوما وفلسطين إرهاب الاحتلال ومستوطنيه. قبل يومين أتمت ريهام دوابشة سبعة وعشرين عاماً، ولم يكتب لها أن تتم اليوم الأول في العام الجديد من عمرها، فانضمت إلى زوجها سعد بعد شهر من استشهاده في ذكرى زواجهما، وإلى علي في اربعينه.
تقول علياء دوابشة (13 عاما)، إن اكثر ما ستفتقده هو اكثر ما ميز ريهام.. الابتسامة التي رسمتها في كل زاوية من زوايا البيت الذي تفحمت جدرانه، وفي بيت والديها.. وستفتقد اللحظات التي تقضيها الأخت مع اختها.. لحظات كانت تقدم فيها النصح.. ولحظات كانت تفرغ فيها علياء ما يجول في خاطرها لتجد الرد الشافي من ريهام.
تعود علياء لتغوص في السواد الذي اتشحت فيه نساء القرية، وعيونهن شاخصة الى الطريق، فالجثمان سيصل في أية لحظة.
وصل جثمان ريهام الى قريتها بعد الظهر، وانهمرت دموع طالبات في الصفوف التي درستها بمدرسة جوريش.. يتذكرن ابتساماتها، فقد كانت بالنسبة لطالباتها أيضا أكثر ما ميزها. تقول نسرين أحمد الطالبة في مدرسة جوريش إن ريهام كانت تعامل الطالبات كبناتها أو أخواتها، وانهن يفتقدنها ليس كمعلمة بل كأم وأخت.. كانت تقضي جزءا من وقتها في الاستماع الى "فضفضاتهن"..
الآن ذهبت هذه الأم.. ويبدو أن قاتلها وأسرتها سينجو بفعلته.. فمن سيحاسبه، وهل يحاسب القاتل قاتلا مثله؟! أدخل الجثمان إلى منزل أهلها، فودعتها أم اثقلت المصيبة روحها وجسدها. ارتفعت أصوات الباكيات واختلطت بالهتاف.. سارع المشيعون به إلى ساحة مدرسة القرية التي حملت اسم "علي وسعد دوابشة"، ويبدو أن اسم ريهام سيضاف لاسميهما.
مرت الجنازة بساحة المنزل الذي ضم يوما أسرة بقي منها طفل يتيم، سيحمل في ذاكرته لحظات احراقه وأسرته، وسيحمل في جسده ندوبا ستذكره في كل لحظة أن هناك من حرمه من أمه وأبيه وشقيقه، وحرمه من حياة عادية.. حرمه من نفسه. كبّر المؤذن أربعا، وردد المشيعون، ودعا في ختام الصلاة بالسلام في بلد يبدو السلام أبعد ما يكون عنه، حُمل الجثمان في جنازة عسكرية سارت خلفها جموع اختلطت دموعها بعرقها، واختلطت الهتافات بالتكبيرات. في المقبرة جهز قبر ثالث يوازيه قبران آخران، الأول صغير ضم الصغير عليا، والثاني ضم والده سعدا، وجيء بريهام لتعانق ترابا عانق حبيبيها قبلها.
القيت الكلمات وصدحت مكبرات الصوت وتحدث الكثيرون، فنعوا ودعوا وودعوا، لكن تحت التراب لم يكن سعد وعلي يستمعان لما تضج به مكبرات الصوت.. فقد كانا يرحبان بريهام، ويطمئنان منها عن أحمد.. ويسألانها عن حال الأموات الذين تدب أقدامهم فوق التراب.