أبو فاروق.. "المجهول" الذي أحزن نابلس
بشار دراغمة - يعرفون أبو فاروق، يتابعون أخباره، علموا جميعا أنه مات وهو ويبحث عن قوت يومه في حاويات القمامة. لم يعرف غسان حمدي مخلوف المعروف بأبي فاروق يوما حياة أخرى، كل أيامه متشابهة، تبدأ صباحا بالسير في شوارع المدينة، يتلقف كلمات تهزأ به، يرمي على الشامتين حروفا غير مفهومة، يتابع سيره، ينبش أكياسا مغلقة علها تُخبئ شيئا يبقيه على قيد الحياة، يحمل بين يديه وعلى ظهره ما يلزم وما لا يلزم، يواصل سيره، يتفقد حاويات القمامة، لا يريد منها شيئا سوى مواصلة نهج يومي اعتاد عليه.
البعض يحاول أن يجعل منه أضحوكة، يصورونه وينشرون مقاطع فيديو على اليوتيوب تسخر منه، غير آبهين بكل آلامه التي لا يدرك هو نفسه الجزء الأكبر منها.
أبو فاروق الذي يعاني من مشاكل نفسية وعصبية توفي الأسبوع الماضي، شاركت قلة في جنازته، شيعوه وراحوا يتحدثون بعد ذلك عن أبو فاروق الإنسان، وكيف كان علما من أعلام نابلس.
بعدما مات أبو فاروق تبين أن الكل يحبه، صفحات "الفيسبوك" امتلأت بعبارات الرثاء والكثيرون كتبوا شعرا ونثرا فيه.
لماذا لا نحب إلا الأموات، ولا نتقن إلا كلمات الرثاء؟ هل كنا عاجزين عن منح أبو فاروق حياة كريمة؟ هي استفسارات طرحها الكثيرون من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي.
أشرف مطلق كتب على موقع "فيسبوك" منتقدا حالة الإهمال بأبي فاروق وآخرون مثله قائلا: "ابو فاروووق.. اصبح الكل بهتم فيه بعد الممات، وصار عنوان لنابلس ومن تراث نابلس، واللي بكتب غزل واللي بكتب شعر واحنا كلنا دون استثناء عارفين كيف عاش وكيف مات، بس شكلنا مش عارفين شو نحط اشي صرعة جديدة على الفيسبوك، طيب خلي حياة وممات أبو فاروق تصحي فينا شوية ضمير وتنقذ عشرات أبو فاروق من الشوارع والنوم فيها والتشرد، بدل ما يصيروا قصص تسلية وتغيير على الفيسبوك وجلب لايكات وتعليقات فارغة".
الصحفي علي دراغمة علق على وفاة أبو فاروق قائلا: "مين في نابلس ما بعرف ابو فاروق.. هذا الرجل الذي يدور في الشوارع كل الوقت.. نابلس سوف تفتقد الانسان الفقير الذي كان دائم البحث عن لقمة العيش كي يبقى على قيد الحياة.. أبو فارق كان يضحك.. كان يبكي ولكن دائما كان وحيدا على الرصيف.. احيانا الحل يكمن في الموت".
وتحت عنوان "الضمير العربي في ذمة الله" كتب الدكتور سائد الكوني، المحاضر في جامعة النجاح الوطنية ووزير الحكم المحلي السابق معلقا على وفاة أبو فاروق: "تشيع نابلس
رمزاً من رموز طيبتها وبساطتها، رمزاً أحبه أطفالها، أحبه مساكينها، وأحبه فقراؤها، هو أيضاً رمزاً للاضطهاد والمعاناة، وظلم الإنسان لأخيه الإنسان، رمزاً لفقدان الإنسانية والعدالة الاجتماعية، وانحساراً لقيمنا الاخلاقية والدينية، إنه المرحوم بإذن ربه غسان حمدي مخلوف، الشهير بــ "أبو فاروق"، الذي كان يقضي نهاره وليله يجوب أسواق المدينة بصمت وسكينة وهدوء، وأحبه كل من التقى به. سألتني ابنتي الصغيرة عنه ذات مرة عندما شاهدته يفترش إحدى عتبات مدخل مسجد الحاج معزوز المصري، وكنت أصحبها لزيارة مستوصف الرحمة شرقي المدينة لوعكة صحية ألمت بها، من هذا الرجل؟، ولم ينام هنا؟، وأسئلة كثيرة أخرى لا داعي لذكرها، لم أدري ماذا أجيبها، فأحياناً، بل قل غالباً في يومنا هذا، ما نقف عاجزين عن التفسير لأطفالنا (وحتى لأنفسنا) أسئلتهم البريئة الكثيرة، فمن منا قادرٌ مثلاً على تفسير غرق الطفل السوري المُهجّرين أهله "آلان الكردي"، الذي تناقلت صورته مواقع إعلامية كثيرة، ومن منا قادرٌ على تفسير غرق أخيه غالب الكردي وغيره الكثيرين من أطفال العرب، الذي قضوا بعيداً عن عدسات التصوير".
يضيف الكوني: "ابنتي سألتني عن غرق "آلان"، فأجبتها بقلبٍ دامع، إنه فشل في الوصول إلى أرض النجاشي، أرض أوروبا الخضراء، التي لا يُظلم فيها إنسان".
مات أبو فاروق كما غيره، البعض ما زال يتحدث عنه، وآخرون نسوه مجرد أن اختفى من شوارع المدينة، لكن وبعد كل هذا الحب لأبي فاروق هل سيحتضن المجتمع آخرين يعيشون ظروفا مماثلة؟".