سارقو الآثار يستهدفون مناطق "ج" ووسطاء يحتمون بالهوية المقدسية والاسرائيلية لممارسة تهريبها
"ابو محمود" هو الاسم الذي يستظل به احد كبار المهربين للآثار الفلسطينية التي تتم سرقتها من مواقعها الاثرية في شمال الضفة من قبل منقبين محليين يعتدون على الآثار وبيعها من خلاله لتصل الى الجانب الاسرائيلي.
وحسب نتائج التحقيق في مجريات عملية الحفر وسرق الآثار وبيعها، عبر إجراء مقابلات مع منقبين عن الآثار الفلسطينية، فإن شخصًا يكنى بـ "أبو محمود" يحمل بطاقة هوية مقدسية ويحمل درجة عالم بدرجة بروفيسور ويمتلك ترخيصًا للتنقيب وللحفاظ على الآثار والتعامل معها ضمن القانون، الا انه يستغل شهادته ومهنته في عمليات تهريب وبيع الآثار الفلسطينية حسب ما اكده تجار آثار من منطقة جنين يتعاملون معه مباشرة.
المعلومات التي كشفها منقبو الآثار لـ (الحياة الجديدة)، بخصوص تورط فلسطيني من حملة الهوية الاسرائيلية او المقدسية في جريمة سرقة الآثار وتهريبها، اكدها اكثر من مسؤول رسمي في وزارة السياحة والآثار وشرطة السياحة والآثار، واضافوا على ذلك قائلين: "أغلب جرائم سرقة آثارنا تتم في مناطق "سي" كونها غير خاضعة للسيطرة الفلسطينية بالكامل ما يفتح المجال امام هؤلاء لاستغلال التقسيم السياسي الحاصل في مناطقنا لتنفيذ اوسع عملية تدمير وسرقة لآثارنا وتهريبها للجانب الاسرائيلي".
التاجر الذي عرف على نفسه "ح.ر" يعمل في المهنة منذ عقود رفض الكشف عن اسمه، قال: "هناك منقبو آثار" صغار وكبار" يحفرون المناطق عشوائيًّا أو عن طريق خرائط قديمة موجودة في الأغلب عند أصحاب النفوذ في كل منطقة أثرية.
وأكمل "ح. ر": "نحن نحفر ونحصل على القطع الأثرية ونبيعها لتاجر بالقدس ومعظم "منبشي الآثار" يبيعونها له، وهو يبيعها لليهود وهكذا يعطينا "سعرًا عاليًا".
"لا يوجد في مدينة جنين كلها متحف واحد يحمي آثارنا من التلف أو السرقة أو الضياع وأنا شخصيًّا ليس لدي أي مانع من بيعها وجميع التجار في المدينة هم تجار صغار يشترون من المنقبين ويبيعون لتجار اكبر في المدن المجاورة ولا يعلم من يشتري من أولئك التجار، قد يكونون من أراضي الـ 48 والقدس"، قال (ر.ك) أحد لصوص الآثار.
عندما تصبح سرقة الآثار مهنة بديلة!
أما (ع.ج) أحد لصوص قال إن هذه التجارة هي مهنته ولا يجد بديلا عنها: "بعملي هذا أنا لا أخون بلدي كل ما في الأمر أنني أقوم ببيع هذه الأغراض الثمينة لأشخاص يقدرونها ويعلمون جيدا كيف يحافظون عليها، في السابق كان الموضوع بالنسبة لي هواية، أذهب إلى الجبال وأنقب عن الآثار التي أجدها احتفظ بها أو أسلمها لجهات مسؤولة وفي وقت لاحق عندما اسأل عنها تكون قد اختفت أو أتلفت أو مركونة في المخازن فوق بعضها البعض ووقتها قررت أن أتصرف بها بطرق أخرى".
ويقول (ح. س): "بيع الآثار مصدر رزقي ولو أن الدولة تكافئنا في كل مرة نجد فيها شيئًا لما توجهنا لبيعها" وأكد انه قبل أن يبيع الآثار يتأكد أنها لن تصل إلى المحتل بل إنها تباع لأصحاب رؤوس الأموال الذين يهوون جمع الآثار.
وعند سؤالنا لـ "لصوص الآثار"، لماذا تسرقون تاريخ بلدكم وتبيعونه ليصل أحيانًا لأيدي المحتلين، قال احدهم: إن سرقة الآثار هي مصدر رزقهم الوحيد الذي نعتاش منه، وإن الآثار مهملة ولا رعاية ولا عناية لها".
"خطط موجودة ومتحف قيد التنفيذ"..
يقول مدير مكتب وزارة السياحة والآثار خالد ربايعة: "حماية الآثار والأماكن الأثرية تتم من خلال التعاون مع الجهاز التنفيذي وهو شرطة السياحة والآثار الذين ينفذون دوريات على المناطق الأثرية ويتواجد معهم موظف من دائرة الآثار في جميع دورياتهم إلا الليلية منها، ونقوم بمتابعه أي شكوى من المواطنين أو بلاغات عن حفريات في مناطق أثرية أو هدم لمنازل تاريخية، ولاحظنا في الأعوام الأخيرة زيادة الوعي والحس الوطني لدى الناس فحين حدوث أي اعتداء على مواقع أثرية تأتينا عشرات التبليغات من أصحاب الضمائر الحية".
ويضيف: "هناك مخططات هيكلية بالتعاون مع الحكم المحلي والبلديات تبين الأماكن الأثرية في المحافظة، ومن فوائد هذه المخططات أنها تبين أماكن المواقع الأثرية وتسهل على المواطنين معرفة هل هذه الأرض مسموح البناء عليها أم لا قبل شرائها، حيث لا يسمح بالبناء إلا بموافقة من مكتب السياحة والآثار بجنين".
ويؤكد: أن الشرطة عندما تقبض على لصوص الآثار تحولهم إلى محكمة صلح جنين، ويكون دورنا بفحص تلك القطع الأثرية وأخذها وحفظها عندنا في المخازن وإعطائها رقمًا وطنيًّا لحين عرضها في متحف للآثار الذي سيتم إنشاؤه بالتعاون بين مكتب السياحة والآثار والمحافظة والبلدية.
ويضيف ربايعة: نقوم بعمل حفريات وترميمات، وترميم المباني التاريخية والأثرية كحفرية يعبد "المقبرة الرومانية".
ويقول ربايعة: أكثر المناطق الأثرية اعتداء هي مناطق (C) التي تخضع لسيطرة الاحتلال وتحتاج الأجهزة الأمنية لتنسيق أمني لدخولها وتنفيذ دوريات بها، ما يعيق عمل شرطة السياحة والآثار، ففي فترة "الفلتان الأمني" كان اللصوص يسرقون ويحفرون المواقع الأثرية ودورية الاحتلال أمامهم، الاحتلال يلعب دورًا كبيرًا بتجميد حركتنا.
القانون لا يردع!
وعن الجانب القانوني المتعلق في قضايا سرقة واحتياز والمتاجرة بالمواد الأثرية، يؤكد المختص القانوني المحامي أيمن غنام من طوباس أن القوانين المطبقة والنافذة في فلسطين بخصوص الآثار قانونان، قانون الآثار القديمة الأردني رقم 51 لسنة 1966 وقانون السياحة رقم 45 لسنة 1965 الأردني، اما بشأن العقوبة فقد ورد النص عليها في المواد 46 و47 من قانون الآثار رقم 51 لسنة 1966 الأردني، أن القانون الفلسطيني ينص على ان تكون العقوبة تتراوح ما بين 3 إلى 5 سنوات وأحياناً قد تصل إلى 10 سنوات إذا ثبت تعامل الجاني مع الاحتلال، حيث تعتبر هنا مسألة وطنية وأمنية.
وأضاف: أن القانون المطبق حاليا والمعمول به هو القانون الأردني وهو قانون مؤقت مقرر من مجلس الوزراء الأردني وقديم يعود إصداره لسنة 1966، الذي ينص على أن العقوبة تتراوح بالسجن لمدة لا تقل عن 3 شهور او غرامة مالية تتراوح ما بين 50 أو 200 دينار ولا يجوز تخفيض الغرامة عن أقل من 10 دنانير.
واعتبر غنام هذه القوانين قديمة غير رادعة صدرت منذ ما يقارب 50 عامًا، والأمر يختلف من زمن لآخر لذلك فنحن بحاجة لقانون آثار وسياحة حديث وعصري قادر على استيعاب كافة المتغيرات والاحتياجات.
وتعقيباً على تنفيذ القانون الأردني بدلاً من الفلسطيني يقول غنام "إن غياب السلطة التشريعية التي تصادق على القوانين سبب في عدم تطبيق القانون الفلسطيني إلى الآن، وإذا خرج القانون من قبل السلطة التنفيذية فإنه لا يملك القوة الكافية ليطبق".
ويوافق ربايعة ما أدلى به غنام بقوله: "القانون المعمول به قديم فهو منذ مجيء السلطة الوطنية الفلسطينية، لكنه غير رادع وغير مجدٍ مع اللصوص؛ لكن هناك مشروع قانون فلسطيني سيكون رادعًا للصوص وذا جدوى معهم، تقوم وزارة السياحة والآثار على إعداده، وسيرى النور قريبًا".
وكانت وزارة السياحة والآثار بدأت بالشراكة مع منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)- مكتب رام الله، مراجعة نهائية لمسودة مشروع قانون التراث الثقافي الفلسطيني، بمشاركة ما يزيد على 40 مختصًا من الضفة وقطاع غزة ممثلين عن الوزارات ذات العلاقة ومؤسسات المجتمع المحلي العاملة في حقل التراث الثقافي والجامعات، وسط اجماع عام على الضرورة الملحة لوجود إطار قانوني جديد لحماية وإدارة وحفظ التراث الثقافي في فلسطين، وسط توافق بين المشاركين حول قضايا محورية في مسودة القانون استجابة للضرورة الملحة لتوفير حماية أكثر فاعلية للتراث الفلسطيني من خلال إطار قانوني يتماشى مع المعايير العالمية في حفظ وإدارة التراث الثقافي ويتوافق مع متطلبات المواثيق والمعاهدات الدولية التي انضمت أو صادقت عليها فلسطين في حقل التراث الثقافي.
وزيرة السياحة والآثار رلى معايعة، قالت: "وزارة السياحة والآثار ورثت عددًا من الأنظمة والتشريعات المتعلقة بالآثار والتراث الثقافي، وقد تركت هذه القوانين جزءاً مهمًّا من التراث الحضاري دون حماية قانونية تلقائية"، مشيرة الى بلورة مسودة لقانون جديدة للتراث تأخذ بعين الاعتبار التطورات على الأصعدة العلمية والقانونية في حقل التراث الثقافي حتى الوقت الحالي، ووضع مشروع القانون في صياغته النهائية أمام الجهات المسؤولة تمهيدًا لإقراره.
ماذا عن الوازع الوطني؟
ويقول مدير مكتب الثقافة في جنين عزت أبو الرب: "إن جهل بعض الناس بأهمية الموروث التراثي للآثار لإثبات أحقيتنا في الوجود على هذه الأرض المباركة وعدم وجود ثقافة وتوعية كافية عند الناس حول قيمة الآثار الوطنية والقومية، والصورة النمطية عن الآثار، جعلهم يعتبرونها مصدرًا للرزق السريع، ولا يدركون أن الموروث الثقافي للآثار مرآة تعكس هوية هذه الأرض فإن ضاعت الهوية ضاع الوطن".
ووجه أبو رب رسالة للصوص الآثار: "من المفروض أن نحافظ على موروثنا الثقافي والإنساني من الضياع والسرقة والنهب؛ خاصة في ظل احتلال متربص يريد أن ينزع منا موروثنا ويوجد طرف خيط يوهم العالم ونفسه بأحقية وجوده بهذه الأرض، فما يفعله لصوص الآثار جريمة دينية ووطنية وأخلاقية".
وعن توعية الناس يقول أبو الرب: "توعية الناس بأهمية الحفاظ على المواقع الأثرية من النهب والحفر، وضرورة ترميمها يقع على عاتق وزارة الثقافة والسياحة والآثار والتربية والتعليم، وكل مواطن لديه حس وطني تجاه موروثه الثقافي والتاريخي على مر العصور، ونحن كمكتب لوزارة الثقافة نقوم بعمل معارض عن الآثار ونوزع المنشورات التعريفية بها وبأهميتها".
ويؤكد ربايعة أن مكتب السياحة والآثار في جنين يوزع "بروشورات" توعي الناس للأهمية المواقع الأثرية وضرورة الحفاظ عليها والتبليغ عمن يعتدي عليها، مضيفًا: "نقوم بالتعاون مع مديرية التربية والتعليم بتنظيم رحلات مدرسية للمواقع الأثرية لتعريف أبنائنا الطلبة بأهميتها، وهناك مركز زوار جنين فيه موظفون من الدائرة، حيث يقوم هذا المركز بالترويج لزيارة الأماكن السياحية والأثرية في المدينة".
460 موقعًا اثريًّا في دائرة الاستهداف
ويوجد في محافظة جنين قرابة (460) موقعًا أثريًّا، ومن أهم المواقع الأثرية تل تعنك وتل لوثان وتل جنين وخربة ونفق بلعمة الذي تم ترميمه بالتعاون مع جامعة لايدن الهولندية، وخربة "سفيريا" في الزبابدة وقصور عبد الهادي في عرابة وغيرها من المواقع الأثرية.
ويقول مدير عام حماية الثراث الثقافي والآثار في وزارة السياحة والآثار صالح طوافشة: "هناك الكثير من المخالفات والانتهاكات بحق آثارنا يتورط فيها مواطنون يحملون الهوية الاسرائيلية والهوية المقدسية، وهناك مراكز الاتجار بالآثار علانية في اسرائيل تعمل ليل نهار لبيع القطع الأثرية الفلسطينية التي تشتري من منقبي آثار فلسطينيين عبر وسطاء من حملة بطاقات الهوية الاسرائيلية والمقدسية.
واضاف: "ملف سرقة الآثار مفتوح منذ بدء الاحتلال للضفة وغزة عام 1967 ولغاية الآن، حيث عملت السلطة الوطنية منذ تأسيسها على محاربة هذه الظاهرة الخطيرة "، مؤكدا نجاح السلطة الوطنية في وقف هذه الظاهرة الخطيرة في المناطق الخاضعة لصلاحياتها ومسؤولياتها.
وتابع: "الجهود التي بذلتها السلطة الوطنية من خلال الجهات الرسمية ذات العلاقة في مجالات التوعية والتثقيف قادت الى وقف الظاهرة تماما في مناطق (أ+ب)، لكن المشكلة تتصاعد حاليًّا في مناطق "ج" التي تتعرض لعمليات نهب منظمة لآثارنا.
واشار الى ان الجهود المضاعفة التي تبذلها وزارة السياحة والآثار وشرطة السياحة والآثار التابعة لوزارة الداخلية لملاحقة مرتكبي هذه الانتهاكات والجرائم بحق آثارنا.
ويقول: "نلاحق ونلقي القبض على مرتكبي لهذه الجرائم ونرسلهم للقضاء ليقول كلمته وتطبيق القانون عليهم"، مشيرًا الى ان الثغرات في اتفاق اوسلو يتم استغلالها من قبل الاسرائيليين لحماية سارقي آثارنا من حملة الهوية الاسرائيلية والمقدسية".
ويؤكد مدير آثار محافظة رام والبيرة جهاد مصطفى أن دور شرطة السياحة والآثار يقتصر على الجانب التنفيذي من خلال وزارة السياحة والآثار التي تصدر تعليماتها في حال تلقيها اية شكاوى او معرفتها بأية تعديات على الآثار"، مشيرا الى ان هذا الجهاز انشئ منذ عام 1995 ومهمته حماية الآثار والاماكن الثقافية باعتبارها جهة تنفيذية، لكنه اقر بوجود اشكاليات ومعيقات حقيقية امام عمل هذا الجهاز وطواقمه في مناطق "ج" الخاضعة للسيطرة الاسرائيلية.
ويضيف: "المعيقات امام شرطة السياحة والآثار في مناطق "ج" مشكلة عامة تعاني منها اغلب الاجهزة الامنية الفلسطينية في ملاحقة منقبي الآثار وسارقيها ومهربيها خاصة حينما يتعلق الامر بحملة الهوية الاسرائيلية او المقدسية.
عن الحياة الجديدة - دائرة التحقيقات الاستقصائية- إسلام باسم أبوعرة