أيام الغبار .. مرة أخرى
جميل ضبابات
كان يكفي تتبع منشورات المعلم إياد عواد عبر فضاء 'فيس بوك'، لمشاهدة الغبار الذي يجلل المشهد الحربي في نابلس، فبين لحظة وأخرى تشاهد صورا لطوابير المركبات التي تتزاحم في طريق ترابي بعيد عن أطراف المدينة.
ما تشهده نابلس منذ يومين من حصار وعمليات عسكرية إسرائيلية محدودة، أعاد ذاكرتها إلى أكثر من عشر سنوات، ففي تلك الأيام حوصرت من كل اتجاه، بذريعة اخماد جـذوة نار الانتفاضة الثانية، ما اضطر السكان الى الحفر في الصخور وتليين الارض تحت عجلات المركبات للخروج من بين الجبلين الكبيرين عيبال وجرزيم الى فضاء العالم.
عواد ذاته الذي خرج صباحا من قريته عورتا شرق المدينة لم يعد عبر الطريق المسفلت، بل اضطر الى سلوك طريق جبلي منحدر. فمنذ ساعات الصباح اتخذت الكثير من المركبات المتوجة إلى مدينة رام الله ذلك الطريق الالتفافي الذي يخترق منطقة جبلية محاذية لسلسة القرى.
قال عواد: بعد دقائق قليلة من وصوله الى القرية قادما من المدينة 'عدنا الى الماضي إلى أيام التراب، لم يعد ممكنا منذ صباح اليوم العودة إلى المنزل بسهولة، هناك المركبات تتوقف لمدة طويلة وتخضع للتفيش الدقيق'.
خلال سنوات الانتفاضة الثانية، أغلقت قوات الاحتلال الإسرائيلي الطرق الرئيسة التي تربط بين المدن، وحتى في الأوقات التي فتحتها أمام المركبات الفلسطينية، استخدمت وسائل عديدة لتعقيد التنقل والتنغيص على المواطنين، منها التفتيش الاشعاعي أو استخدام الكلاب البوليسية.
يكرر المعني ذاته آخرون من قرى جنوب نابلس. وقال مسير مركبات تعمل على خط رام الله- نابلس إن هذا اليوم يـذكر بتلك الأيام التي عمل بها عن اجتياح الضفة الغربية وقطع الطرق بين مدنها.
شوهدت في ساعات الصباح طوابير طويلة على حاجزي حوارة وزعتزة، وهما حاجزان مقامان منذ نحو 15 عاما على واحد من اكثر شوارع الضفة الغربية ازدحاما وحركة.
سامي عواد سائق يعمل على خط نابلس عورتا منذ 12 عاما، قال إن 'فترة ما بعد الظهيرة شهدت ازدحاما كبيرا في الطريق الترابية الضيقة التي لجأ اليها السائقون، لا فرق بين اليوم وبين تلك الايام التي كان الغبار فيها يحجب الرؤية'.
في نابلس لا تبدو الرؤية واضحة تماما فيما يتعلق بإجراءات عسكرية جديدة قد تتخذها السلطات المحتلة ضد المدنيين، فالعمليات العسكرية لم تتوقف منذ ساعات ليل أول أمس بعد مقتل مستوطنين اثنين شرق المدينة، اما الطرق فمصيرها ما زال يبعث على الاحباط في صفوف المتنقلين.
وأضاف السائق عواد أنه أنهى عمله اليوم مبكرا، فبعد ورديتين من العمل لجأ الى القرية ليستريح من عناء الطريق 'العمل غير مجد هذا اليوم. لا يمكن الاستمرار وسط هذه الاجراءات العسكرية'.
وأشار إلى أن المدة التي يستغرقها في العادة للوصول الى قريته من نابلس لا تستغرق أكثر من المسير 10 دقائق، إلا أن قطع الطريق الترابي الجديد يستغرق غالبا نحو ساعة في ساعات الذروة.
في أيام الانتفاضة الاولى كان المحظوظ يتنقل بين نابلس ورام الله بنفس المدة التي يستغرقها المسافر من مطار شرق اوسطي الى نيويورك. على سبيل ذلك طرح الفلسطينيون الامثلة الكثيرة على ذلك، فوصولهم من نابلس او مدينة اخرى من مدن الضفة الى استراحة اريحا كان اصعب من طيران ساعات طويلة فوق المحيطات والبحار.
وقال عواد المدرس 'اليوم كان لدينا وقت كاف للتنقل.. لكن يوم غد علينا ان نفكر جيدا قبل ان يخرج المعلمون من المدينة الى القرى المحيطة. لا احد يعرف ماذا يمكن ان يحصل'.