رسائل الرئيس: نحن لسنا مثلكم - حسن سليم
منذ خطاب الرئيس ابو مازن في مقر الامم المتحدة في نيويورك لم تتوقف التداعيات ولا التحليلات ولا المقارنات بين خطابه وخطاب رئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو، كما لم تتوقف التحليلات بشأن العملية التي نفذتها مجموعة مسلحة شرقي نابلس، وأسفرت عن مقتل اثنين من المغتصبين المقيمين في احدى المغتصبات المقامة في الضفة، وربطها بالخطاب او الجدوى من هكذا عملية في هكذا توقيت، واي برنامج ستخدم.
الرئيس ابو مازن كعادته في كل خطاب يحاول ان لا يترك شاردة ولا واردة الا ويذكرها، لانه يدرك ان ذاكرة العالم بشأن قضيتنا ضعيفة، فيقدم روايته معتمدا اسلوب الانسنة للخطاب، مستخدما اسماء الضحايا ويتعمد وصف الجرائم كيف تمت، كما يستدعي في خطابه النصوص القانوينة والقرارات الدولية التي صدرت بشأن قضيتنا ليذكر المجتمع الدولي بما اتخذ من قرارات والتي ما زال عاجزا عن تطبيقها، ليقول للعالم ان شعبنا يؤمن بحتمية تحقق العدالة بالقانون.
الرئيس ابو مازن لم يطرح نفسه يوما جيفارا حتى يكون المأخذ عليه ان اسلوبه لم يهز اعمدة مقر المنظمة في خطابه، كما لا يقبل لنفسه ان يكون بمثابة ازعر ومهرج وكذاب على شاكلة نتنياهو فيملأ المكان صراخا، بل يحترم الثمانين من عمره والتي تقضي ان يكون خطابه وازنا عاقلا، لا يقوم على التناقض، ولا يتخلى عن مصداقية وصراحة قد لا تعجب البعض، لكنه يفضل خسارة تاييد البعض على ان يكون متناقضا غير متصالح مع نفسه.
وحتى لا يكون الامر في اطار التقديس لنصوص بشر، فان الخطاب لا يعدو كونه اجتهادا لسياسيين قد يصيبوا او يخطئوا، لكن المراد منه ايصال صوت الشعب المقهور الرازح تحت احتلال طال امد بقائه.
وبالرغم من أن خطابه انتهى باعلانه انه لم يعد بالامكان الالتزام باتفاقيات لا يلتزم بها الطرف الثاني (دولة الاحتلال)، الا ان رسالته من ألفها الى يائها كانت تقول ان شعبنا الذي انهكه الظلم لا زال تواقا للسلام والاستقرار، وبانتظار العيش بسلام دائم قائم على انهاء الصراع بعد اعادة الحقوق لاصحابها، وبالمقابل كانت دولة الاحتلال تصم اذانها وكذلك البعض ممن يرعى دلالها.
دولة الاحتلال كان ردها على رئيس وزرائها وقادتها بعد العملية ان خطاب الرئيس سببا رئيسيا لتنفيذ العملية، التي قتل فيها اثنان، فيما رفضت المجموعة التي نفذت العملية، والتي اطلقت على نفسها كتائب عبد القادر الحسيني التابعة لحركة فتح، المس بالاطفال الأربعة الذين تواجدوا بالمركبة المستهدفة، والذي كان قتلهم سهلا بالنسبة للمجموعة بحسب تقديرات الاجهزة الامنية الاسرائيلية وشهادات الاطفال، فيما عصاباتهم تقوم بقتل الاطفال وحرقهم تحت حماية جيشهم، بل ويتفنن قضاؤهم بالتحايل للافراج عن المجرمين ليعودوا غزاة مرة اخرى، وهذا ما تساءل عنه الرئيس في خطابه "أين العدالة؟ أين دولة الديمقراطية؟ التي تقول إنها دولة ديمقراطية ودولة عدالة".
أحد قادة الاجهزة الاستخباراتية الاسرائيلية قال في تعليقة على العملية إن المسلحين أرادوا ايصال رسالة لاسرائيل مفادها باننا: "لسنا مثلكم حيوانات"، واعتقد انه الوحيد الذي فهم الرسالة بشكل واضح، بان الفلسطينين في السياسة كما هم في السلاح "ليسوا حيوانات مثلهم"، وان كل ما في الامر ان يفهم الغرباء انهم لن يشعروا بالامان حتى لو بنوا لهم بيوتا من فولاذ، طالما هناك من يذكرهم بأنهم ليسوا اصحاب الارض، وانهم غزاة، وبالطبع مسؤولية لفظهم وتذكيرهم بعدم شرعية وجودهم، ليست مسؤولية جهة او مؤسسة او حزب او فرد بعينه، بل مسؤولية كل من يدعي ارتباطه بهذه الارض المغتصبة وكرهه لغاصبها.
رسالة عدم القبول لوجود عصابة المغتصبين في الضفة، نطق بها الرئيس قبل ان تعبر عنها العملية، حين قال إن اسرائيل لا تستطيع ان تقيم دولتين في فلسطين، دولة في فلسطين التاريخية داخل حدود 48، واخرى لعصابة المغتصبين في الضفة في حدود 67، وان تتعامل بنظامين في الضفة، احدهما يقدم خدمات الترفيه والحماية بنظام الخمس نجوم لعصابات المغتصبين، واخر يسهر على تنغيص حياة اصحاب الارض، لكنْ واضح ان غباء نتنياهو منعه من فهم الرسالة.
الغريب ان التيه الذي وقعت فيه دولة الاحتلال بعدم قدرتها على فهم الرسائل، كان هناك من يستدعي غباءه، ليتيه معه بالغوص في الخطاب والبحث عن ما نقصه منه بدل التحضير للبناء عليه، وبعض آخر راح ليفتي ويشكك بالعملية بانها كانت سياسية، وكأنه لا يعلم "ان البندقية غير المسيسة قاطعة طريق".