لمصلحة من هذا التحريض ؟ حسن سليم
أياً كان الخلاف والاختلاف بين ممثلي الاطياف السياسية، لكن في حضرة وداع الشهداء، واستكلاب المحتل علينا، وانصباب رصاصه الذي لا يفرق بيننا، فان من واجب ألسنة التحريض على النظام السياسي، او المشككة بوطنية "الفلسطيني" ان تتنحى جانبا وتصمت، وسيأتي وقت للمكاشفة والمعاتبه والمراجعة، والتعبير بكل راحة عما نختلف فيه.
يتبين بشكل جلي لمن يراقب ما يصدر من مواقف، ان البعض يصر ان يكون ممن "لا يعجبهم العجب ولا الصيام في رجب"، ليكونوا دائمي الشكوى والانتقاد، بظنهم ان ذلك يضعهم في مصاف النخب، دون تفكر بما يجره خطابهم من شرذمة واساءة للكل الوطني.
معلوم ان من يعمل يخطئ، وهذه قاعدة مثبتة منذ الخليقة، والمعصومون من البشر عن الخطأ هم الانبياء فقط، ومعلوم انه ليس اكثر اتساعا من ساحة العمل العام والسياسي للعمل، وهذا ما يضع العاملين في هذا القطاع تحت مجهر المراقبة، فيما يقابله من البعض المتربص بالتجريم الجاهز، اعتمادا على احكام مسبقة، وادعاءً بالعلم بالنوايا، التي لا يعلمها الا الله، فيما المتجمدين منذ ما يقارب الثلاثة عقود لن تكون لهم اخطاء ولا خطايا، فقد تركهم زمن الفعل، وبعضهم قذفهم خلفه.
الدعوة للتعقل قبل اطلاق التوصيفات التخوينية والتوتيرية، لا تعني تحريم النقد، بل ان اكثر المستفيدين من النقد هم المخطئون، ولكن باشتراط اقترانه بالايجابي، وان تكون بوصلته الاصلاح لنتائج الخطأ او التحذير قبل وقوعه، وليس الدفع بالمزيد.
حرية الرأي والتعبير مكفولة بالقانون، وبعرف العمل السياسي، ومن يمس او يعتدي عليها، يكون قد مس بالقانون جرما، وهتك عرف السياسة، فوجبت محاسبته، لكن حرية الراي والتعبير المكفولة قانونا، مقيدة ايضا بالمصلحة العليا وطنيا، ولا سيما عندما يرتبط الامر بمن يعتبرون انفسهم شخصيات وازنة، واصحاب تاريخ يرغبون بختامه بما هو مشرف، بل يستدعي منهم الدعوة الدائمة لرص الصفوف، واستحضار الخطاب الواعي. وليس من المعيب ان نتعلم من اعدائنا كيف يتحولوا بين ليلة وضحاها الى جيش مقاتل يضم الطبيب والمهندس والمحامي والصحفي وكل ابناء المهن، وحتى من يقيم في دور العجزة، فيما نحن نستذكر الاختلاف في يوم المحنة، لنمارس الردح.
في حفلة الردح التي يمارس فيها البعض مهارته لاستدعاء بواطن عقله المثقوب، صرخوا حتى كان ان استدعوا من هم على شاكلة عميرة هاس، الصحفية الاسرائيلية، لتطعن من خلال ما تكتب، بعد ان جمعت كل نفايات المثقوبة عقولهم، في وطنية "الفلسطيني" وتشكك في رغبته ومقدرته على مواجهة المحتل، وتسخر من اي محاولة لتوحيد الصف الوطني الفلسطيني.
عميرة هاس هي ذاتها المعتبرة من قبل البعض بأنها من انصار السلام، وصوتنا لدى المجتمع الاسرائيلي من خلال عمودها في صحيفة هآرتس، كونها تتحدث عن قضايانا، وكانت شبه مقيمة في ارضنا، وقد وصل الامر بالبعض ان يعبتر العلاقة معها منزهة عن اي تطبيع، فيما تكتب هي بمنظور صحيفة هآرتس، وليس بمنظور العدالة الذي نبحث عنه، وهي بذلك تنحاز لاسرائيليتها المحتلة، ليصدق وصف وداد البرغوثي لها:" عميرة هاس ممن يحتلون بيتنا ويبكون معنا علينا ".
واستكمالا او استباقا لما تقوم به عميرة هاس، تقوم كثير من الطبقات بنتها ثقافة التحريض والكراهية داخل مجتمعنا، بدت عازلة ومانعة للتأثر بكل ما يجري من استهداف من قبل احتلال واضح انه ماض لأبعد مما كنا نتصور في جرائمه، فيما الملهاة التي يغذيها بها المثقوبة عقولهم يوميا بدأت تطل نتائجها برأسها، حتى بات الصوت والمضمون لهم واحد، اللهم الفارق يتمثل باللغة، سعياً لهدم المعبد على ساكنيه.
واضح انه ليس من قبيل الصدفة اجتماع الفرقاء الذي لا تجمعهم مشارب فكرية ولا عقائدية ولا سياسية، فيما يظهر خطابهم " كالقارئين على يد شيخ واحد"، كما هو غير مفهوم ولا مبرر اليوم قرار البعض بالقفز من السفينة وهي في عرض البحر بحثا عن نجاة فردية، مدعين قدرتهم على السباحة منذ الطفولة، فيما لم يعوموا من قبل في حوض سمك، ليس اقل من " انتحار حرام"، وكان الاولى الانتظار لتدخل رباني، او الميتة ميتة مشرفة، لعل التاريخ يذكرهم، ويترحم عليهم من بعدهم، لا ان تلاحقهم اللعنة لخسة مواقفهم.