'ماما.. ماما' كلمات كان يردّدها الطفل قراقرة أثناء اعتقاله
رشا حرزالله
لا يبارح الطفل عدي قراقرة الذي لم يتجاوز من العمر عشر سنوات حضن أمه، يلازمها مذعورا في كل ركن من أركان المنزل، وعلامات الرعب التي تبدو عليه سببها جنود الاحتلال.
الطفل قراقرة من مدينة البيرة، ذهب هو وصديقه قبل أيام قليلة لشراء بعض الحاجيات التي طلبتها والدته، راجية إياه ألا يتأخر خوفا من عربدة مستوطني مستوطنة 'بساغوت' الجاثمة على أراضي البيرة، والتي لا يفصل بينها وبين منزلها سوى جدار وأسلاك شائكة، أو أن يصادفه جيب عسكري إسرائيلي، وقلب الأم دليلها.
في منطقة قريبة من المنزل اختبأ جنود الاحتلال خلف أشجار الزيتون، وما أن وصل عدي وصديقه حتى باغتوهما، وهم يضعون أغصانا من هذه الأشجار على رؤوسهم، الأمر الذي تعذر على عدي وصديقه تمييزهم، وألقوا اتجاههما قنابل الصوت، وكبلوه هو واقتادوه إلى المستوطنة، وهو يصرخ 'ماما.. ماما'.
يقول عدي: 'طردوا صديقي من المكان، وأمسكوا بي، كبّلوا يديّ، وعصبوا عينيّ، ومن ثم نقلوني إلى داخل المستوطنة، وكلما كنت أنادي على أمي، يصرخ الجنود في وجهي 'اخرس'، شعرت بالخوف والذعر وأنا بينهم، بقيت في المستوطنة مدة 4 ساعات'.
حقق الجنود مع الطفل متهمين إياه برشقهم بالحجارة برفقه مجموعة من أولاد الحي 'المجانين' - كما قال له أحد الجنود، توعدوه بالاعتقال والضرب، وعدي لا يفكر سوى بأمه، ولا ينطق سوى 'ماما' -حسبما قال.
نقل الجنود عدي من مستوطنة 'بساغوت' إلى مركز الشرطة في مستوطنة 'معاليه مخماس' شرق رام الله، وهناك أجريت له جولة جديدة من التحقيق، في الوقت الذي كان فيه الارتباط الفلسطيني يجري محاولات للإفراج عنه، حتى تم ذلك بعد سبع ساعات ونصف من مجمل احتجازه.
قالت الام إنها ذهبت إلى المستوطنة برفقة اثنين من أقاربها للسؤال عن طفلها، ولكن حراس المستوطنة قاموا بطردهم.
وفي تمام الساعة الثانية من بعد منتصف الليل وصل عدي المنزل في حالة ذعر كما تقول والدته، رفض النوم في سريره وبقي ملازمها.
تقول الإخصائية الاجتماعية في جمعية الشبان المسيحية إلهام حمدان، إن الجمعية تخصص برنامج دعم نفسي وإرشادي للتعامل مع الأسرى الأطفال المحررين، أي من هم دون سن الـ18، مشيرة إلى أن الخوف الذي يشعر به الأطفال يعد رد فعل طبيعي، عدا عن التوتر والقلق الذي سينتابه بعد الإفراج عنه.
وتطرّقت حمدان إلى أعراض ما بعد الصدمة، بقولها 'تظهر من خلال ما يراه الطفل من أحلام وكوابيس والرجوع للحدث، كذلك فإنه من الممكن أن يشعر بالذعر كلما تواجد جنود الاحتلال في منطقة إقامته، بالإضافة إلى أن الطفل يبقى يراقب نوافذ المنزل، ويخيل له أن الجنود قادمون لاعتقاله.
وتشير إلى أن 'البرنامج الذي تخصصه الجمعية لتأهيل الأسرى الأطفال المحررين يركز على أعراض ما بعد الصدمة، لتقوية الطفل وتحسين داخله، خاصة أولئك الذين تعرضوا لتجارب اعتقال قاسية، بغض النظر عن المدة الزمنية التي قضوها داخل المعتقل'.
وأوضحت أن الأخصائيين النفسيين والاجتماعيين في الجمعية يحاولون توعية الأطفال من خلال ما يقدمونه من معلومات لهم حول طبيعة الاعتقال والسجن، بناء على شهادات من أطفال خاضوا تجارب الاعتقال، والمراحل التي مروا بها من تحقيق وتعذيب.
وتؤكد أن استجابة الأسرى المحررين من الأطفال للعلاج النفسي والدعم الإرشادي تختلف من طفل لآخر، نظرا للفروقات الفردية، ولكن المشترك بينهم أن فترة العلاج تستغرق وقتا طويلا.