الجعبري والجندي في وداع أخير
دعاء زاهدة
لا يرحل الشهداء كغيرهم، فوجع فراقهم لا يزول، لا عويل ولا صرخات فقط شهقات مكتومة واحتضان متبادل.
تحتضن شقيقتا الشهيد محمد فارس الجعبري أسماء وإسراء والدتهما، تبكي الواحدة منهما اللحظات الأخيرة التي سترى فيها محمد.
أم بهاء والدة الشهيد محمد تقول: 'وأنأ أصلي الظهر شعرت بشيء في قلبي، ولم يكن أحد منا قد سمع بشهادة محمد، صليت ركعتين ودعوت الله قائلة اللهم 'أجرني في مصيبتي واخلفني خيرا منها'.
وتضيف: 'صلى محمد الفجر وقرأ سورة الكهف ثم تناول الإفطار معنا، وخرج إلى صلاة الجمعة، اتصلت عليه أسأله متى سيعود إلى المنزل فأخبرني أنه لن يتأخر، من اليوم أعرف أن ابني لن يتأخر مطلقا'.
يقف فارس الجعبري والد الشهيد محمد الى جانب زوجته، يشد على يدها وبكفه الأخرى يمسح على رأس ابنه ويقول: ادّعى الاحتلال أن محمد حاول طعن جندي إسرائيلي وسرقة سلاحه، ولا نستغرب تلفيق التهم إلى شبابنا ولا نهتم بكل ما يقوله العدو، يكفيني أن ابني شهيد الوطن رغم كل شيء'.
شقيقة محمد إسراء تتمتم بكلمات الصبر بما يطفئ غضب من حولها تقول حول ظروف استشهاد شقيقها: 'أتعبت قلوبنا أمس البلبلة حول حالة محمد، ولا مصدر رسمي لأخذ حقيقة حالته، البعض قال إنه شهيد والآخرون اخبرونا انه على قيد الحياة وفي الحالتين كنا نعلم انه لن يعود إلى سريرة في الليل'.. 'هو عريس الوطن'.
النسوة اللواتي حضرن الى منزل الشهيد الجعبري ودعوه بالزغاريد، في حين حمل أصدقاء الشهيد جثمانه على الأكتاف وصولا الى مقبرة الشهداء وسط مدينة الخليل، ليوارى الثرى هناك.
بيت آخر استقبل شهيدا اليوم، في نفس الوقت والى الجنوب من محافظة الخليل، شيع أهالي بلدة يطا الشهيد أمجد حاتم الجندي إلى مثواه الأخير.
يقول والد الشهيد: 'خرج ابني إلى عمله بأراضي العام 1948 حيث يعمل في البناء، ودعني وأمه ككل مرة وسألنا أن نرضى عليه، لاحقا وخلال النهار بدأ أهالي يطا بالتوافد الى منزلنا وكنت لا أعلم أن هناك شهيدا اصلا، لاحقا علمت من الجيران أن ابني قد استشهد'.
الوالد الذي يودع ابنه اليوم يقول: 'ليس خسارة في فلسطين، ولا في الوطن، ابني هدية للأقصى، مبروك له الشهادة'.
تجلس والدة أمجد بين النسوة اللاتي قدمن إلى منزل الشهيد لإلقاء نظرة الوداع عليه، تطلق زغاريدها مهنئة نفسها قائلا: 'ابني عريس، ألف مبروك'.
إلى جانب منزله تماما، وعلى أسطح المنازل المحيطة بمقبرة عائلة الشهيد الجندي، وقفت النسوة لإلقاء نظرة الوداع على أمجد، في حين انشغل الشباب في مواراته الثرى. لتودع اليوم الخليل اثنين من أبنائها اللذين انضما الى 17 شهيدا ارتقوا منذ بداية الهبة الشعبية في القدس والضفة وقطاع غزة.