الاحتواء في دروبه الصحيحة
احتواء التصعيد، عبارة باتت تتردد الآن، لمعالجة الوضع الراهن الخطير في بلادنا جراء سياسة الاحتلال الدموية، (شرعنة القتل والقنص) وعربدة مستوطنيه، وفي العبارة غبار الالتباس والغبن السياسي، ومع ذلك ستظل هذه العبارة تنطوي على غاية نبيلة، وتحديدا إذا ما ذهب "الاحتواء" الى معالجة جذر المعضلة الاساسية، التي دفعت باتجاه التصعيد، بل والتي حرضت ولا تزال تحرض عليه، ذلك هو الاستيطان، وسياسة الاحتلال الرامية الى تكريسه، وتوسيعه ليلتهم أرض الدولة الفلسطينية حتى لا تقوم.
لا احتواء دون معالجة هذه المعضلة، وقد بات واضحًا أن "غضبة القدس" عدا عن انها غضبة عادلة ومقدسة، فإنها وقد باتت على طول البلاد وعرضها، ليست تصعيدا فلسطينيا، بقدر ما هي موقف وطني جماهيري، ضد الاستيطان وجرائمه، خاصة وهو يحاول اليوم الاستحواذ على الاقصى بدءًا من تقسيمة مكانا وزمانا.
لا تحك هذه الغضبة دم الفلسطينيين ليغلي في عروقهم، ودفعهم تاليا الى حراك انفعالي وفوضوي، بقدر ما هي تعبير عن امتثالهم الايجابي، لطبيعتهم المجبولة على التحدي ومقاومة الظلم والعدوان والتصدي له.
شعب فلسطين على طول البلاد وعرضها في مثل هذه اللحظة، هو شعب الرؤية الواضحة بموقفها الحاسم، المقاومة الشعبية السلمية، ليست خيارا بل نهج وطبيعة وطريق لا رجعة عنها، هنا متاريس الدفاع عن الحياة بمشروعها الوطني التحرري، هنا خنادق التحدي، بهتاف الحرية والقبضات التي تبعث الروح في الحجر الفلسطيني، كي ينطق بالقول الفصل.
بهذا المعنى، وهذا هو المعنى بلحمه ودمه، فإن الفلسطينيين لا يصعدون ولا يريدون التصعيد، بقدر ما يؤكدون إصرارهم على المضي في طريق الحرية، للخلاص من الاحتلال واستيطانه البغيض، الخلاص التام، وعلى الساعين "لاحتواء التصعيد" البدء من هنا، من هذه النقطة الجوهرية: لا استيطان ولا مستوطنين، ولا ينبغي ان يفهم البعض اننا سنقبل مثلا بتجميد الاستيطان، ونغض النظر عما هو موجود من مستوطنات، أساسا لحل دائم، اساس الحل الدائم لا مستوطنات على أرض دولة فلسطين، ولا مستوطنين يحرقون الاطفال احياء، ويقتلعون اشجار الزيتون، ويعربدون أنّى شاءت لهم أفكارهم العنصرية، وشهواتهم المريضة المتطرفة.
احتواء التصعيد ينبغي ان يبحث في تل ابيب، لا في رام الله، وينبغي ان يبحث على قاعدة التشخيص الموضوعي لأصل المعضلة، وكلما جاء الاحتواء بليغا ونزيها في لغة التشخيص كلما امكن ان يحقق غايته النبيلة.
واحتواء التصعيد يعني أولا قبل كل شيء الضغط على حكومة الاحتلال الاسرائيلية لوقف عمليات القتل الممنهجة، والاعدام من نقطة الصفر، التي تواصلها ضد ابناء شعبنا، ووقف انتهاكاتها المتصاعدة لأبسط القيم والمعايير الانسانية، وهي تطلق العنان لعربدة قوات جيشها ومستوطنيها في ارضنا.
لن نغلق ابوابنا امام اية محاولة نبيلة لوقف نزيف الدم، ولكننا لن نقبل بتسويات الحلول المؤقتة، ولن نرضى بالوعود الغائمة، والى ان يصبح البحث في الحلول الدائمة ممكنا، فإن الحماية الدولية التي نطالب بها مدخل لاحتواء ايجابي، لا يوقف التصعيد فحسب بل ويمنع احتمالات تجدده تماما. ولا يريد الشعب الفلسطيني من المجتمع الدولي اكثر من ذلك الآن.
كلمة الحياة الجديدة - رئيس التحرير