المقاومة .. هندسة حياة
بصواريخ عبثية، دعونا نقولها بصراحة وشجاعة، تعرض مصطلح المقاومة الى تشويه خطير، بل وتقزم حتى بات عملا موسميا على هذا النحو او ذاك، والاخطر عملا زبائنيا بعلاقات العرض والطلب، في سوق المزايدات الحزبية من جهة، وسوق المساومات السياسية من جهة اخرى، نتذكر هنا الفتاوى التي اباحت تلك الصواريخ مرة، وحرمتها لضرورات " التهدئة " في مرة اخرى...!!
ولعلنا نقول ان اصحاب هذا النوع من " المقاومة " لايدركون انهم قاموا بمثل هذا التشويه للمصطلح وبما ينطوي عليه من قيمة ومفهوم، ولربما الرغبات الشعبوية والاستقطابية الحزبية، قادتهم الى مثل النوع الاستعراضي، وعلى اية حال ليس هذا ما نريد ان نتحدث عنه هنا، بل مفهوم المقاومة ومعناها الصحيح، حيث هي بمشروعها التحرري الانساني، معنية بهندسة الحياة، لحاضنتها الاجتماعية في كل نواحيها، هندسة تقيم جدران الحماية اولا لجماهير شعبها قدر الامكان، ونقول ذلك حتى لا نحملها اكثر مما تحتمل، وجدران الحماية هي جدران الامن والامان للوطن والمواطن، مثلما هي هندسة المعرفة والثقافة التحررية، الهندسة التي تضع كل شيء في مكانه المناسب، من القول الى السلوك، ومن الفرد الى الجماعة، كذلك هي هندسة التفاصيل اليومية لحياة الناس، كي تمضي في دروبها المنتجة، وباختصار المقاومة نهج وبرنامج عمل متكامل في كل نواحي الحياة.
لا مقاومة دون ادراك وعي الضرورة، الذي هو الحرية، ولا تعني الضرورة القسر والاجبار، وانما هي بادراكها على نحو عاقل ومنطقي، دليل على انسانية المدرك وتطلعه لحياة الحرية، وما يقيم الانسان في المحصلة خياراته، وهذا يعني بوضوح شديد ان المقاومة كخيار ونهج عمل، ليست هدفا بحد ذاته، بل هي وسيلة للوصول الى المشتهى الانساني الاعظم، حياة الحرية بعدالتها الاجتماعية، وكرامتها الانسانية ودونما احتلال ولا محتلين.
ما من مقاومة في تاريخ الشعوب المناضلة، انتصرت بالفوضى، وباقتصار علمها على جانب واحد دون غيره، والمقاومة التي انتصرت في هذا التاريخ هي المقاومة التي تكامل برنامج عملها على كافة الاصعدة، السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية والاعلامية وغيرها مما تحتوي عليه جماعتها البشرية.
وما من مقاومة انتصرت كلما كانت تحقق اهدافا للعدو قبل ان تحقق هي اهدافها، وما من مقاومة عاشت حتى، بعيدا عن جماهير شعبها، في الوقت الذي ينبغي ان تكون في الاساس مقاومة شعبية، وها نحن نرى اليوم كم هي المقاومة الشعبية في بلادنا مؤثرة وفاعلة، خاصة وهي تغلق الطرق بهتافها وحجرها، نعني بسلميتها، امام الاحتلال كي لايجرنا الى مربع هدفه الرامي الى عسكرة لهذه المقاومة التي بات مكمن القوة فيها شعبيتها السلمية الطاغية.
المقاومة اذا وايضا الوعي الخلاق في ادارة الصراع، دون جائحة الخسارات الكبرى، دون نزيف الدم بلا طائل، ووجودنا على ارض بلادنا بمثل هذا الثبات والصمود، مقاومة، واصرارنا على التصدي للاستيطان والمستوطنين وحماتهم من جيش الاحتلال، مقاومة ، وعزمنا على المضي في هذه الطريق ، طريق التحدي، مقاومة، نزرع في ارض بلادنا، مقاومة ، نعمل في مؤسساتنا على نحو فاعل ومنتج، مقاومة، ندرس ونتعلم وننجح في المدارس والجامعات، مقاومة، نتألف ونتوحد ونتجمع مقاومة، نزيح الاذى عن الطريق ونحسن التحية والقول مقاومة، نبني ونعلي البناء مقاومة، نغني وننشد ونرسم ونكتب الرواية والقصة والشعر مقاومة، وان نتصدى للاحتلال وبطش الاحتلال، ان نتصدى للاستيطان والمستوطنين وعلى هذا النحو الذي يبهر العالم، هذه هي المقاومة حقا.
المقاومة موقف ورؤية وثقافة وسلوك وعمل ونوافذ امل ... انها حقا هندسة حياة.
كلمة الحياة الجديدة - رئيس التحرير