الابتسامة العالية في وداع المهند - حسن سليم
لم انجح وأنا احاول ان اكتب ولو فقرة واحدة عن عرس الشهيد مهند الحلبي، ذلك الفارس الذي فتح الباب لهبة الصبار ان تعبر مسرعة كالنار في الهشيم.
تجمد الحبر، وانا اشاهد ابتسامة الماجدة والدته وهي تودعه بطبع قبلة على جبينه كأنه بالفعل يوم زفافه، وتلوح بيدها في مهرجان وداعه،وهي تطلق الزغاريد، فيما ابتسامتها تعلو فوق رؤوسنا، تمطرنا عِزة وقوة وصبرا، فيما يغادر المهند.
في مهرجان الوداع فكرت خلسة ان أتسلل من بين النسوة لأهمس في أذنها، شفقة عليها: " أرجوك ابكي، دعيني أرى دموعك غزيرة، اصرخي بحرقة، ولولي كما كل النساء الثكالى، اضربي من يواسيك بيد مرتجفة "، لكنني لم أجرؤ، كنت عاجزا، جبُنت، فعدت ولم اتقدمْ، فيما المشهد يستمر، ولا تفسير لدي.
كأنها أصبحت عادة أو ميزة في هبة الصبار ان يبتسم كل الأحرار والحرائر تحت وقع الموت او الاعتقال، فيما نحن نضحك كمجانين، غير قادرين على التفسير لهذه الظاهرة الكونية الجديدة، التي لم نقرأ عنها من قبل في كتب علم النفس، ولا في زوايا الغرائب على صفحات المجلات والصحف.
قلت في نفسي، يوم وينتهي، وتبدأ بالبكاء، ولكنها صفعتني بزغاريدها وتهاليلها وهي تستقبل المهنئات لها من الطلبة، كأنها كانت تستدعي ضحكات طفولته من مخبأ أعدته لهذا اليوم، او تستعيد ذكريات تمر كشريط من امامها.
اعلم يقينا أن والدة " المهند " سترغب بالبكاء وذرف أكثر من ماء بحر على رحيله، بعد أن يتعب قلبها اشتياقا، لكنني لست واثقا إن كان قد تبقى لها من الدمع ما يكفي حزناً على من رحل.
كانها سمعت ما افكر به خلسة، جاءت من غير قيامها من مجلسها لتخبرني: يكفيني زيارته في بحر الغفوة كل ليلة، بعد ان يغادر المهنئون، باحتضان جارف، ليستريح في صدري بعد مشوار طويل من خلف أسوار مدينة اشعل الشمع فيها، القدس مدينة عشقها حتى الموت، لكنه نسي ان يموت، وظنكم كذلك.
لك الصبر من بعد المهند، ومنا الخجل من ابتسامتك العالية.