عادل عورتاني: مقصٌ ستيني "يُطارد" شَعر الملايين!
عبد الباسط خلف:
تقبض أصابع عادل إبراهيم عورتاني على مقص الحلاقة منذ العام 1958، فيما بدأ الشيب يغزو شعره ولحيته، أما ابتسامته فتكاد لا تغادر تقاسيم وجهه.
يقول:" لو حسبت عدد الرؤوس التي مرت من تحت مقصي، لتجاوز عددها المليونين ببساطة، ولا زلت أذكر الرأس الأول الذي حلقت له، فكان لبسام الأحمد، وأخذت منه "شلن" أجرة، أما آخر زبون عندي فكان يوم وقفة العيد لشامخ عساف، وعمره 52 عاماً، ودفع لي 15 شيقلاً".
يعتبر عورتاني كل مرة يقوم بها بالـ"حلاقة" لزبائنه وكأنها أول مرة يمسك بها المقص من شدّة حبه لمهنته؛ التي شرع بتعلمها لمساعدة والده المقعد، وأتقنها قبل أن يُكمل الرابعة عشرة من عمره، على يد معلمه محمد الهنداوي.
مازال يحتفظ بصور العشرات من زبائنه، معظمها بالأبيض والأسود وبعضها ملوّن، وبعضها لجنود الجيش الأردني الذين كانوا يترددوا عليه، لكن الطريف أن الأطفال الذين كانوا "يزيّنون" صالونه صاروا اليوم شيوخاً، وشاب شعرهم أو رحلوا عن دنيانا.
ورّث عادل عورتاني مهنة "الحلاقة" لابنه الأكبر إبراهيم، الذي يعمل معلمّا أيضاً، أما نجله الثاني كريم فيعمل بالعلاج الطبيعي، ومحمد ووسيم يتخصصان في الكمبيوتر، فيما تحمل ابنته وردة الماجيستير في الفقه، وشقيقتها خلود درست الشريعة.
والمضحك في ذكريات عورتاني، أن القمل والبراغيث كانت تنتشر في رؤوس الزبائن، وتنتقل إلى أدوات الحلاقة وكرسي الصالون، كما أنه لا ينسى الحلاق الذي زين له شعره يوم عرسه، وهو رأفت الهنداوي، ابن معلمه للمهنة.
ويتذكر الحادثة الوحيدة التي مرت عليه حين طلب منه أحد زبائنه تزيين شعر طفله البكر، في أول عملية حلاقة، كي يوزع مقابلها ذهباً، فيما انتشرت بعدها عادة دفع "البخشيش" بين الزبائن الذين يصطحبون مواليدهم الجدد أول مرة إلى الصالون.
يقول: "أحلق بـ15 شيقلاً للغرباء عن الصالون، وأطلب 10 من الزبائن ومن الصلع، ولا أشعر بالتعب، وأحب مهنتي كثيراُ، وأحلق شعر المرضى الذين لا يستطيعون مغادرة بيوتهم، ولا أقبل التعامل مع الجل الذي يتلف الشعر، وأكره القصات الجديدة، التي تخرّب وجوه الشباب".
تغيرت حال جنين من حول عورتاني، الذي ولد فيها في الأول من شباط (فبراير) عام 1946، فانقرضت بساتينها، وقلت مياهها، وانتشر عمرانها، وتغيرت "أخلاق" أهلها ومعاملتهم، وكثر سكانها، لكن ذكرياته لا زالت تسكن فيه.
ر س