جرائم حرب إسرائيلية بالجملة.. ومحاسبة غائبة
رشا حرزالله
في مستشفى هداسا بالقدس، يرقد الجريح محمد زيادة 19 سنة، ويحاول بكل ما استطاع من قوة هدتها رصاصات المستعربين الذين تسللوا بين الشبان خلال مواجهات دارت قرب حاجز بيت إيل العسكري شمال مدينة البيرة، وضربهم المبرح بالآلات الحادة على مناطق مختلفة من جسده، أن يتعافى من جراحه، وما أكثرها.
تبدلت أحوال محمد، الابن الأوسط للعائلة المكونة من ثمانية أفراد، فمن شاب مليء بالحيوية والنشاط، إلى حبيس المقعد المتحرك بعد إصابته بشلل نصفي وكسور في الرأس، تسبب بفقدان للتوازن والتركيز، كما أخبر الأطباء والدته بوجود احتمالية كبيرة في أن يصاب بإعاقة في السمع، كونه تعرض للضرب المبرح في منطقة قريبة من أذنه.
عندما فتح عينيه، كنت أقف قريبة منه، ابتسم لي وتحدث بكلمات لم أفهمها، طلبت منه أن يعيد ما قاله، كرر جملته أكثر من عشر مرات، حتى استطعت فهمه، كان يسألني لم تأخرتُ في الحضور إليه؟ قلت له: 'يما والله أنا هون من زمان سمعتك وإنت تتوجع من الجرح، يا نور عين إمك'، تقول الوالدة.
في موقع آخر، حضر الأسير المصاب أحمد حامد على عكازتين لمحكمة عوفر العسكرية الأحد الماضي، وهو الشاب الذي شاهده العالم يتعرض للضرب المبرح وإطلاق النار على قدمه من مسافة صفر من قبل المستعربين، وقد كانت النظرة في المحكمة هي الأولى والدته بعد إصابته واعتقاله.
ترفض والدة أحمد مشاهدة أي من مقاطع الفيديو أو الصور التي تم تصويرها لحظة اعتقاله قائله :'لا يمكنني تحمل رؤية تلك المشاهد وهو بعيد عني، أكتفي بما يقوله لي الأقارب والجيران، سأشاهد هذه المقاطع عندما يكون أحمد في حضني، وأنا مطمئنة'.
أحمد الطالب في قسم الهندسة الميكانيكية في جامعة بيرزيت، تصف والدته حال ولدها عند حضوره المحكمة: 'كان أحمد هزيلا شاحب الوجه، يمشي بصعوبة، تم قطب عينه نتيجة الحرج العميق الذي تسبب به المستعربون،خسر من وزنه الكثير، لكنني أقوي من عزيمته قدر الإمكان'.
ولم يكن الأسير عبد الرحمن أبو دهب، وهو طالب في قسم اللغة الإنجليزية بجامعة بيرزيت أفضل حالا، كونه يعاني من أوجاع وكدمات في مختلف أنحاء جسده، بعد أن انهال عليه جنود الاحتلال والمستعربين بالضرب حتى بعد اعتقاله.
والدته التي تمكنت من رؤيته الثلاثاء الماضي في محكمة عوفر، أوضحت أنه بدا متعبا وهزيلا لشدة الضرب والتعذيب، للوهلة الأولى لم أتعرف عليه من شدة التعب.
وفي هذا الصدد يقول مدير مؤسسة الحق شعوان جبارين إن وجود ظاهرة المستعربين في الأراضي المحتلة يعتبر مخالفة لقواعد القانون الدولي والإنساني، خاصة اتفاقية جنيف الثالثة كونه يعرض المدنيين للخطر لأنهم يتنكرون في زي مدني وبين الناس.
واعتبر أن إطلاق النار على المتظاهرين من مسافة صفر جريمة، لأن الهدف هو إلحاق الأذى بالشخص، وليس السيطرة عليه، علما أنه كان بإمكانهم السيطرة عليه كونه يتظاهر بشكل سليمي، وحتى ضرب الحجارة بالقانون الدولي تعد سلمية، وبالتالي هذا يعد قتل عمد، وإعدام خارج القانون، وحتى لو لم يتم القتل.
وأضاف :'هنا نحن نتحدث عن جريمتين موصوفتين بالقانون الدولي هي الاستخدام المفرط للقوة، في مواجهة الناس في التظاهر، الذي يعتبر حق كفله القانون الدولي، ومنحهم إياه وبموجب القانون الدولي لا يجب إطلاق النار على المتظاهرين، وحتى حمل الشخص للسكين لا يستدعي بموجب القانون الدولي إطلاق النار عليه لأنه يمكن السيطرة عليه لكن ما يجري هو اعدام خارج القانون'.
ولفت جبارين إلى أن المستعربين بلغة القانون تعني الغدر، كون الاحتلال استخدم هنا التمويه، لتضليل المشاركين في المقاومة والغدر بهم وهو ما تعده اتفاقية جنيف جريمة حرب، لأنها تشترط أن يكون الجندي بلباسه العسكري.
وبدوره، اعتبر أمين عام المبادرة الوطنية مصطفى البرغوثي، أن ما بث من صور وتسجيلات يثبت أن الاحتلال ارتكب جريمة حرب، يمكن تقديمها ليس فقط إلى المحكمة الدولية، بل إلى عدة جهات لمعاقبة الاحتلال.
ولفت إلى أن حملة المقاطعة بدأت بعرض هذه الصور والتسجيلات على جهات دولية عدةـ لتشجيع مقاطعة الاحتلال، مؤكدا أنه يجري العمل على إعداد الملفات حول إطلاق النار على المواطنين وإعدامهم خارج نطاق القانون.
وقال إن العديد من التسجيلات تظهر أن الاحتلال كان بإمكانه اعتقال الشبان، من خلال إطلاق النار على أقدامهم على سبيل المثال ما جرى مع الفتاة إسراء عابد، والشهيد فادي علون من القدس، لكن الاحتلال تعمد إعدامهم وإطلاق زخات من الرصاص عليهم، وهناك من تركوا ينزفوا حتى الموت.
ـــــ