الاحتلال يقتل الحياة في المدينة المقدسة
(راسم عبد الواحد)
تبدو مدينة القدس شبه خالية من المارّة ومن السكان، إلا من عناصر مدججة بالسلاح تنتشر في شوارع وأزقة وحارات وأسواق المدينة، ومن آلياتٍ ودورياتٍ عسكرية وأخرى شرطية، ومتاريس حديدية وحواجز عسكرية تنتشر في كل مكان، فضلاً عن رادار استخباري بات دائم التحليق جنبا الى جنب مع مروحية في سماء المدينة.
لم تكن مقاطع جدار الضم والتوسع العنصرية سوى البداية لفصل القدس عن امتدادها الطبيعي مع سائر محافظات الضفة، وها هي دولة الاحتلال تفصل الأحياء عن بعضها، وتضع بين الحاجز والحاجز حاجزا، وتقتل الحياة المدنية الطبيعية للسكان، وتُظهر المدينة بطابعٍ عسكري شوّه ملامحها الفلسطينية العربية التاريخية.
أولياء أمور الشبان، فضلوا عدم ارسال أبنائهم لمراكز أعمالهم في الشطر الغربي من المدينة، خشية على حياتهم من اعتداءات عصاباتٍ يهودية تحتضنها مؤسسة الاحتلال، ومن قوات الجيش والشرطة التي تلقت ضوءا أخضر من رئيس حكومتها نتنياهو باستباحة دم الفلسطينيين.
ورغم أن المسجد الاقصى هو أساس الغضب الفلسطيني، إلا أن الاحتلال يصر على انتهاكاته لحرمته بمنع المسلمين من دخوله، والسماح للمستوطنين باقتحامه من جديد، وسط دعوات جديدة لما يسمى 'طلاب من أجل الهيكل' الى اقتحام واسع للمسجد الأقصى، يوم غد الاثنين.
أصحاب المحال التجارية في شارع الواد تعرضوا اليوم الى حملة جديدة من الملاحقات وفرض الضرائب الباهضة جداً من طواقم ضريبة الاحتلال المتعددة، وجرى توقيف بعضهم والتحقيق معهم بحجة رفض تقديم المساعدة للمصابين اليهود الذي تعرضوا للطعن، فيما وصف التجار هذه الحملات بالكيدية والقهرية، وتستهدف إغلاق محلاتهم.
وقال مستشار ديوان الرئاسة لشؤون القدس أحمد الرويضي لـ'وفا' إن حملة الاحتلال في شارع الواد تتوافق مع الحواجز الاسمنتية التي تم من خلالها اغلاق الأحياء العربية في القدس.
وأضاف: القدس مدينتنا ولن نتزحزح منها، وحقنا مشروع بالدفاع عن مقدساتنا وفي مقدمتها المسجد الاقصى المبارك، ولن نسمح بتكرار ما حدث بالحرم الابراهيمي في المسجد الاقصى'.
ودعا الرويضي المقدسيين الى الصمود، معتبرا الاجراءات الاخيرة بالقدس، جريمة حرب سيحاسب عليها قادة الاحتلال امام المحكمة الجنائية الدولية، رغم الصعوبات القانونية والإجراءات المتبعة في هذه المحكمة، وأكد ان جرائم قتل الأطفال والشباب والفتيات وإطلاق النار لن تسقط بمرور الوقت.
شباب القدس تحدوا اجراءات الاحتلال وأطلقوا حملة 'مش خايفين' وشرعوا بالجلوس على درجات باحة باب العامود (أحد أشهر بوابات القدس القديمة)، إلا أن جنود الاحتلال الذين شعروا بالاستفزاز، لاحقوا الشبان والفتيات ودققوا بهوياتهم قبل أن يجبروهم على مغادرة المكان الذي بدا خالياً من المارة على غير عادته، بفعل التواجد المكثف لقوات الاحتلال على بوابته الرئيسية.
سامر المغربي، شاب من سكان القدس القديمة، قال: إن البلدة تبدو حزينة وشاحبة يستبيحها جنود الاحتلال، مؤكداً أن حالة التسوق في البلدة باتت مشلولة، وأن عدداً كبيراً من التجار فضلوا عدم فتح محالهم لسوء الأوضاع، واصفاً ما يجري بأنه 'حرب' تشنها اسرائيل بكل أجهزتها ومؤسساتها على القدس والمقدسيين.
وتعيش أحياء وبلدات القدس فوضى سببتها اجراءات الاحتلال الأخيرة، التي أسفرت عن اغلاق مداخلها الرئيسية والإبقاء على مدخل واحد لكل حي أو قرية أو بلدة، وحولتها الى معتقلات تتحكم فيها بدخول وخروج المواطنين، ما تسببت باختناقات وأزمات مرورية حادة، تستغرق أحيانا ساعات.
وقال محمد أبو الوليد من سكان العيسوية وسط القدس، إن الأوضاع باتت لا تطاق، مشيراً الى حالات التفتيش المتتالية في القدس للشبان والأطفال والفتيات والتي تأخذ طابع إذلالٍ لأصحابها.
وأضاف: الاحتلال لا يكتفي بمئات الكاميرات 'البوليسية' التي ينشرها في كل شوارع وطرقات وأسواق وأزقة المدينة، ويلجأ الى إهانة أهلها وشبابها وأطفالها وفتياتها بتفتيشات مُذلة ومهينة، قد تدفع أحد الجنود لإطلاق الرصاص على أحد المقدسيين بذريعة محاولة طعن كما تم في كثير من عمليات اطلاق النار، مؤكداً أن القصد من عمليات الاعدام، التي كان آخرها الليلة الماضية لشاب داخل حاجز قلنديا العسكري شمال القدس، هو تخويف وإرهاب المقدسيين.
يؤكد المقدسيون أنهم سيصمدون داخل مدينتهم مهما كلفهم الأمر، ولكن لسان حالهم يقول: إلى متى ستبقى هذه الانتهاكات والاجراءات العنصرية؟. وإلى متى ستبقى إسرائيل دولة فوق القانون الدولي ودون محاسبة على جرائمها؟.