(الدولة اليهودية الديمقراطية ) ! موفق مطر
لم يجلبوا العار لجيش اسرائيل وحسب، بل لرئيس ووزراء حكومة دولة الاحتلال، ولآباء المشروع الصهيوني، فمن البديهي ألا تكون لدى الشاب الاسرائيلي (المساق) للجندية اجباريا عقيدة سياسية ليكرسها كمقاتل شجاع، ومن الطبيعي ان تتبخر كل تعاليم العقيدة القتالية للعسكرية الاسرائيلية لحظة الحقيقة، وانطلاق لحظة الاختبار الحقيقية، لأنها بالمختصر المفيد تفتقد الحق، الذي هو روح اي عقيدة او فلسفة لأي مؤسسة عسكرية في دول العالم.
ليس منطقيا تقزيم أو احتقار قوة الجيش الاسرائيلي النارية والتكنولوجية، فهذا الجيش المفصل على قياسه دولة، ويملك مقوماتها ومقدراتها، ومعظم رؤساء حكوماتها أتوا الى سدة رئاسة الحكومة من هيئة اركانه، يمتلك احدث الاسلحة المتقدمة، وتنتج مصانعه تكنولوجيا اسلحة وتصدرها الى دول كبرى ايضا، لكنه حتى اللحظة، مازال غير قادر على صنع ركن واحد من اركان أخلاق وقيم القتال في الميدان – حتى التي نشاهدها ان توفرت فهي تصرفات فردية كما يبدو- ، ولم يستطع هذا الجيش حتى اللحظة توفير (تعبئة) تقنع الجندي لمواجهة الفلسطيني – صاحب الأرض والحق – بضمير حر أو بالحد الأدنى الاطمئنان لطهارة منبع الأوامر الصادرة اليه بالقتل العمد، المباشر للأبرياء!.
شاهدنا خلال اليومين الماضيين صورا لا بد ان تخلق اسئلة كبيرة لدى المجتمع الاسرائيلي حول جوهر القضية التي يبعثون ابناءهم من اجلها الى الجبهات او الى الاراضي الفلسطينية المحتلة، او لحماية مجمعات داعش اليهودية السكنية (المستوطنات)، فصورة الجندي المسلح بأحدث بندقية آلية هارب من فلسطيني بيده سكين، وفيديو الجنود (المسلحين) الهاربين بخوف قل نظيره لدى المدنيين العاديين في المحطة المركزية للحافلات في مدينة بئر السبع، تبعث العار لمن دفع بهؤلاء الشباب الى اتون مواجهات، وهو يعلم يقينا انه بموقف الباطل، وان الشعب الفلسطيني بموقع الحق التاريخي والطبيعي، المنتصر حتما ولو بعد حين، وتثبت فشله في اقناعهم بمبدأ اضطهاد شعب آخر، كما تؤكد وتبرهن للعالم ان السلاح قد يتفوق في معارك، لكن الارادات صاحبة الحق والخير، المبعوثة بروح السلام، هي التي تحسم الصراع لصالحها، فالخوف هو في النتيجة تعبير عن رغبة بعدم المواجهة بسبب الادراك بعدم القدرة، او عدم القناعة بفائدة وفكرة المواجهة، او المغامرة الى حد الموت فيها، أما الشجاعة فنراها عكس ذلك، ومركزها الايمان بالفكرة والحق.
بالأمس وضع معلقون اسرائيليون على مشهد فرار الجنود الاسرائيليين في محطة الحافلات ببئر السبع النقاط على الحروف ولخصوا المشهد بقول احدهم :" هؤلاء جلبوا العار للجيش ويصلحون لتنظيم السير وليس للقتال"..
اما احد كبار ضباط اللواء الجنوبي فقد قال وهو شاهد عيان :" "لقد تواجد في المكان عشرات الجنود والمجندات ومع سلاحهم الشخصي، لكنهم هربوا محاولين إنقاذ انفسهم، بدلا من المساعدة في احباط العملية. . ان من يرتدي الزي العسكري يُتوقع منه ان يتصرف بصورة اخرى".
غاب عن ذهن هذا (الضابط الاسرائيلي الكبير) أن الزي العسكري هو شكل من اشكال النظام، الذي هو ضرورة لا بد منها للانتصار للفكرة النبيلة، فهل تراه توقع من شبان وشابات اسرائيليين الوقوف بأجسادهم، أو انتهاز اللحظة لتهيئة سلاح لاستخدامه في وجه من بات امامهم كمارد ؟! فهؤلاء الجنود (الصغار) حتى وان اشبعوهم تعبويا بمفاهيم متعارضة مع منطق حق الحياة للآخر وتحديدا الفلسطيني، فانهم فتحوا عيونهم على الدنيا ليجدوا الفلسطينيين مناضلين من اجل حريتهم واستقلالهم، وايديهم ممدودة للسلام، فيما دولتهم وجيشهم والمستوطنون يواجهونهم بعنصرية وأحقاد وكراهية وقتل على الهوية العرقية، فعن اي توقع يتحدث هذا الجنرال، فأزياء العسكريين الغزاة المحتلين انتهت من عقلية امة الانسان الحضارية، ولم تعد موجودة الا في دولته وجيشه.
كيف يطلب هذا الجنرال من جنوده الثبات، فيما التناقض، والعبث في عقول المجتمع الاسرائيلي في دولته يزلزل اركانها ؟! فها هي تسيفي ليفني رئيسة ما يسمى المعسكر الصهيوني تزاوج الدين بالديمقراطية، وكأنها تريد مزاوجة شخصين من نوع واحد !! فقالت بالأمس بعد مطالبتها بمحاكمة اعضاء كنيست محرضين وتقصد بذلك النواب العرب، وبعد ان كانت قد قالت في السلام، والتعايش وحل الدولتين سابقا حتى ثملت تراها تلعب بعقول جنود هذا الجنرال (العار): " أنا أرى إسرائيل يهودية وديمقراطية، أنا لا أريد ان يتواجد الفلسطينيون بالداخل، انا لا يعنيني الفلسطينيون ولا أبو مازن، بل كل ما يهمني هو سلامة سكان إسرائيل ”... اذن العنصرية، والتطهير العرقي، والاستيطان والاحتلال، والابرتهايد باتت سمات الدولة اليهودية الديمقراطية ؟! ولهذا نرفضها ليس لأنها خطر على شعبنا الفلسطيني وقضيته، وانما تمثل الخطر الأكبر على العالم، لأننا بهذه الحالة أمام جماعة ارهاب تتحكم بدولة، او قل (دولة ارهاب).