المشي على رؤوس الأصابع - حسن سليم
أسبوع ثالث على هبة الصبار ضد الاحتلال، جعلته يدخل في حالة هستيرية أمنية شملت جيشه وشرطته وعصاباته، ما اضطره لاستدعاء ثلاث عشرة سرية من الاحتياط في الاسبوع الثاني علاوة على ثلاث سرايا سبق وتم استدعاؤها، وافراغ لمراكز الشرطة لمسانده الجيش، رافقها هستيريا سياسية جعلت أركان حكومته تتخبط في مواقفها، وان كانت قد توحدت خلف خطاب الدم.
في مقابل تلك الهستيريا نمشي- نحن الفلسطينيين- على رؤوس أصابعنا، فيما يتعلق بالمراد من هذه الهبة، وفي كيفية مساندتها، لقطف نتائج سياسية منها تتناسب وحجم التضحيات، سواء كان ذلك على صعيد الموقف الرسمي أو حتى على صعيد الأحزاب والفصائل.
موقف السلطة الوطنية الذي عبر عنه الرئيس أبو مازن في كلمته يوم الأربعاء الماضي، والذي اعلن فيه عن ضرورة استمرار الكفاح الوطني المشروع، وتأكيده على حق شعبنا بالدفاع عن نفسه، ما زال يلفه الالتباس من قبل الشارع، رغم وضوحه ومباشرة الرسائل التي تضمنها، وذلك بفعل التشويش المبرمج من قبل الماكينة السياسية والاعلامية الاسرائيلية، التي قالت ان ذلك يتعارض مع ما ورد في الاتفاقات التي وقعتها السلطة الوطنية، والتي قال الرئيس أبو مازن بشأنها إنه لن يكون بالإمكان الاستمرار في الالتزام بها من طرف واحد دون التزام الطرف الآخر، فيما وصفه الاعلام العبري بعد كلمته الاخيرة بأنه " صاحب الغمازتين " في اشارة الى عدم وضوح وجهته، ومراوغته لساسة اسرائيل، وعدم اطلاعهم على ماذا يريد ان يحصل، وتشويش مرافق من قبل خصومه السياسيين الذين قالوا ان عدم الاعلان صراحة عن وقف العمل بالاتفاقات، فيه محافظة على شعرة معاوية للتفاوض عندما تنضج الظروف، فيما العقلاء يرون في عدم قطع شعرة معاوية تحفيزا للمجتمع الدولي للضغط على دولة الاحتلال لتعديل سلوكها العنجهي ووقف جرائمها، والزامها بالاتفاقات الموقعه معها.
اما موقف الأجهزة الأمنية الفلسطينية التي لم تمنع تقدم المنتفضين الى نقاط التماس، والمواجهة لجيش الاحتلال، والتي فهمها الكثيرون وكأنها رسالة ودعوة للمواجهة وان كانت غير مباشرة. فقد جاءت مثيرة للجدل متساءلة عن الوجهة القادمة لعلاقة الاجهزة الامنية مع المنتفضين، وفيما اذا كان هذا ما سيكون الحال عليه بشكل دائم ؟ ام مرتبط بحالة مؤقته لم يتم التوصل فيها بعد الى تهدئة ؟ مما ادخل الشارع في تساؤل مفتوح عن مساحة التحرك المباحة لتجنب اي صدام داخلي، وعن ما هو المطلوب القيام به، ليكون بالإمكان الاستفادة منها سياسيا.
الفصائل والأحزاب حالها ليس بأفضل، بل ان سقف موقفها اقل بكثير، حيث لا زالت تنتظر الى أي مدى يمكن أن تنجح الهبة في المواجهة، لتحدد موقفها الذي لم يتجاوز حدود تبني الشهداء ومباركة اعمالهم، بل موقف بعضها وان كان غير معلن بأن تنأى بنفسها عن المشاركة او التدخل، وكأن ما يحدث هو في دولة شقيقه تفضل عدم التدخل في شؤونها الداخلية.
وموقف حماس تحديداً فقد كانت الهبة سيفا مسلطا على رقبتها، عندما كانت المطالبة لها بالاسناد من غزة، حتى خرجت من ذلك المأزق بفتح المجال امام مقاومة شعبية سلمية (غير مسلحة)، وصفتها بالمقاومة العاقلة والحكيمة، والتي حسب احصائيات الشهداء والجرحى فان غالبيتهم لا ينتمون لها، فانها بالمقابل تدفع باتجاه تصعيدها في الضفة، ولكن دون مشاركة فاعلة فيها ولا مزاحمة على قيادتها، ولا عمل مسلح من غزة، كما قال ابو مروزق والناطقون باسمها.
كل ما تقدم من التباس في الموقف على الشارع، ومشي على رؤوس الاصابع، يسهم بلا شك في خلق حالة إرباك لا تُحمد عقباها، ولن تخدم استمرارية الهبة، ولن ترفع من المقدرة على مواجهة الهجمة الإسرائيلية، والضغوط الدولية والعربية لوقف الهبة، الامر الذي يستدعي معالجة عاجلة وتصحيح للمسار، بما يوحد الخطاب الوطني، واستعادة القدرة على استنهاض الشارع الفلسطيني كاملا، والشارع العربي، بالاضافة لكسب تأييد دولي ولو شعبيا، وذلك يحتاج بالضرورة الاجابة الصريحة على ماذا نريد من هذه الهبة؟ وكيف؟.
وككل المعارك الكفاحية والمواجهة تتطلب الهبة لاستمرارها وحصد نتائج تليق بالتضحيات، برنامج كفاحي وطني واضح، محدد الشعار والاهداف، وآليات التنفيذ، وبرنامج صمود وعلى وجه الخصوص للمقدسيين، وهذا بالطبع سيمنع التفسير والتأويل، ويمنع انحراف المسار وضياع البوصلة، وهذا بالطبع لا يكون بالمشي على رؤوس الأصابع.