هاشم العزة.. صمود حتى النفس الأخير
دعاء زاهدة
لم يكن هاشم العزة يعلم أن قصة معاناته في منزله، التي رواها للمتضامنين الأجانب القادمين لمساعدته في قطف الزيتون، ومعايشة الانتهاكات اليومية التي يتعرض لها، أنها آخر مرة يروي قصته بنفسه، وأنه اعتباراً من اليوم فسيروي غيره، هذه الرواية، ويختمها بجملة: 'شهيد فليرحمه الله'.
في نقطة المواجهة الأعنف وسط مدينة الخليل، وعلى حواجز التفتيش الإسرائيلية، كان هاشم يتجول برفقة وفود أجنبية، دون مقابل أو مطالب مادية أو غيرها، يجمعهم حوله في دوائر، يروي لهم كم مرة تعرض هذا المنزل لرمي الحجارة، وكم طفل ضُرب من المستوطنين دون ذنب.
يقول شقيقه: 'أمس استقبل أخي هاشم وفداً أجنبياً، تحدث معهم حول الانتهاكات التي نتعرض لها بشكل مستمر من قبل المستوطنين، الذين يقطنون مستوطنة 'رمات يشاي'، وكانت قوات الاحتلال تطلق قنابل الغاز السام على الشبان المشاركين في المواجهات عند حاجز شارع الشهداء وسط الخليل، استنشق شقيقي كميات كبيرة من الغاز، ولأنه أجرى قبل شهرين عملية قسطرة، فإنه لم يحتمل كل ذلك الغاز'.
وأضاف: 'اتصلنا بسيارة الإسعاف، لكنها لم تصل بسبب منع جيش الاحتلال لها، حملناه بمساعدة أهالي المنطقة، إلى حاجز شارع الشهداء المسمى بالكونتينر، عرقلنا الجنود ومنعونا من الخروج لعشر دقائق، ثم نقلناه الى المستشفى بسيارة خاصة، لكنه استشهد'.
هاشم يمتلك لغة إنجليزية جيدة، استطاع بها تعرية كذب دولة الاحتلال. ونقل من خلال بعض الصور التي كان يلتقطها في جولاته اليومية، العنصرية التي تمارسها سلطات الاحتلال والجنود والمستوطنين، في مدينة خليل الرحمن.
يقول منسق لجنة 'شباب ضد الاستيطان' عيسى عمرو: إن هاشم استطاع أن يوصل للمتضامنين الأجانب، حجم المعاناة التي يعيشها أهل الخليل بشكل خاص، حيث عمل على تحشيد الرأي العام العالمي ضد الاحتلال والاستيطان، ومحاسبة الاحتلال على جرائمه ضد المواطنين في قلب مدينة الخليل.
العزة الذي يسكن على بعد 5 أمتار فقط، من منزل استولى عليه 'باروخ مارتزل'، أكثر المستوطنين تطرفاً في الخليل، ويعبر يومياً من حاجز شارع الشهداء، الذي ارتبط اسمه مؤخراً بجرائم الجنود المتمركزين عليه، أوفى بوعده، ليصمد في منزله حتى النفس الأخير.
يقول صديق الشهيد، عبد الله مرقة: 'قبل عشرة أيام كنت في زيارة لهاشم في منزله، وقبل دخول المنزل خرج علينا 'مارتزل' صائحاً، ستكون أنت وعائلتك الدوابشة اثنين، مهددا بقتل عائلة هاشم حرقاً'.
رحل العزة ليسلم راية صموده إلى أبنائه الأربعة، أكبرهم لم تتجاوز السابعة عشرة، وصغيرته ابنة الأربعة سنوات، أما ابنه يونس، فيستقبل المعزين باستشهاد والده، وهو لم يتجاوز 12 ربيعاً.
يروي يونس أنه في الطريق إلى المستشفى 'كنت أشعر بدقات قلبه، قالوا إنه استشهد، حاولت إنقاذه لكنّي لم أستطع'.
وبلغة الكبار الواثقين، قال يونس: 'سنبقى صامدين في منزلنا، هذا كل ما نستطيع أن نقدمه لوالدي'.