وادي المطوي كابوس مرعب يؤرق محافظة سلفيت
ملاك أبو عيشة- بعينين مرهقتين ينظر المزارع الأصم أبو مطيع فايق إلى مياه وادي المطوي العادمة تلك المياه التي يمقتها بشدة، لما سببته له من كوارث أحالت حياته لجحيم لا يطاق، وتعود به الذاكرة إلى بدايات منتجعه السياحي الذي كان يؤمه الناس من كل حدب وصوب، ولكنه اليوم يخلو من منتجعيه.
فيقول ابنه مطيع :”قمنا بافتتاح المنتجع منذ زمن، وكان هناك اقبال كبير عليه، ولكن بعد مرور المياه العادمة بمحاذاته أصبح مهجوراً، وكميات البعوض فيه غير معقولة عدا عن الرائحة الكريهة”.
وحال فايق هو حال المزارعين في قريتي كفر الديك وبروقين، إذ أن المياه العادمة التي تجري في وادي المطوي تشكل تحدياً يثقل كاهل المزارعين، ويسبب لهم الأمراض، ويدمر الغطاء النباتي للوادي الذي كان متنفساً لأهالي محافظة سلفيت.
وادي المطوي الذي تجري فيه المياه العادمة منذ بدايات التسعينات، ويلتقي فيه مصدريين للمياه العادمة، وهما مستوطنة أرئيل -أكبر مستوطنة في الضفة الغربية-، ومدينة سلفيت، ويمر من قريتي بروقين، وكفر الديك.
شروط اسرائيلية
ومنذ عام 1994م والجهات المختصة تحاول اقامة محطة تنقية لمعالجة هذه المياه، ولكن لأسباب سياسية يرفض الاحتلال إقامتها، ويشترط أن تكون مشتركة بين الجانبين، وهو أمر يرفضه الجانب الفلسطيني؛ لأنه يشرعن الاستيطان.
طوق النجاة المحتمل
ويوضح رئيس بلدية سلفيت الدكتور شاهر شتية:” وادي المطوي مشكلة كبيرة جداً في سلفيت، ولكننا أخيراً حصلنا على مشروع من الهولنديين بقيمة مليون دولار لإقامة محطة تنقية قبل بلدة بروقين، وعلى أن يتم الاستفادة من المياه المكررة في الزراعة”.
ويضيف:” خلال أقل من سنة ستكون المخططات جاهزة للتنفيذ، وسيتم الاعتماد على أسلوب جديد في التكرير يقوم على المعالجة الطبيعية المتطورة.
محطة تنقية في الأفق
ويقول مدير مكتب سلطة جودة البيئة في سلفيت المهندس مروان أبو يعقوب:”
وادي المطوي كان يصب في بروقين، ولكن سلطة المياه نفذت مشروع خط مجاري بطول 2 كم، وأخرجت المياه من أمام بيوت المواطنين، وبقيت المنطقة بين سلفيت وبروقين مكشوفة”.
ويضيف:” كان لدينا اجتماع منذ شهر تقريباً في مديرية الحكم المحلي في سلفيت مع شركة استشارية هندسية، وسلطة المياه لمناقشة الخطة الريادية للمياه والصرف الصحي في محافظة سلفيت، خرج الاجتماع لقرار توقيع اتفاقية اقامة محطة تنقية في بروقين”.
ويطالب أبو يعقوب من خلال “رايــــة” مجلس الوزراء بالاهتمام بالوضع البيئي، وبأن تنظر الحكومة بعين الرأفة للمشاريع البيئية التي تحمي المواطنين من الأمراض الصحية.
تدمير للتنوع الحيوي
ومن جانبه وضح مدير مديرية زراعة سلفيت المهندس ابراهيم الحمد:” المياه العادمة القادمة من المستوطنات هي مصدر أساسي لتدمير البيئة، والقطاع الزراعي في سلفيت”.
ويضيف:” القطاع الزراعي تأثر بالمياه العادمة بشكل كبير حيث تدمر الغطاء النباتي، والتنوع الحيوي، وكذلك الحيوانات التي ترعى على هذه الأعشاب الملوثة، تنقل الأمراض للإنسان عن طريق السلسلة”.
ويشير الحمد إلى أن المزارع الفلسطيني عند ذهابه الى أرضه لا يستطيع تحمل الروائح الكريهة، والمشكلة الأكبر أن منطقة المطوي هي أكثر منطقة تحتوي على مياه جوفية تغذي جزء من سلفيت.
ويوضح الحمد:” في الشتاء كانت المياه العادمة تفيض على الشوارع، وتصل في بعض الاحيان للينابيع، حيث يفصل بين وادي المطوي والنبع شارع، ولحل مشكلة الفيضان قامت البلدية ببناء سور استنادي”.
وبالحديث عن دور وزارة الزراعة يسترسل الحمد:” الحل ليس سهل بسبب الظروف السياسية، ويقتصر دورنا على التثقيف، ونشر الوعي بين المواطنين بمخاطر المياه العادمة”.
ينابيع ملوثة
وفي السياق ذاته، يقول المهندس في دائرة صحة البيئة في مديرية وزارة الصحة في سلفيت رائد موقدي:” المياه العادمة لامست المياه السطحية لينابيع وادي المطوي، وأدى ذلك الى وجود الكثير من الملوثات التي انتقلت للإنسان، وأثرت على صحته”.
ويضيف:” سببت المياه العادمة للمواطنين أمراض عدة، وخاصة الأمراض الجلدية بسبب انتشار القوارض والحشرات، والتسمم المعوي بسبب شرب المياه الملوثة”.
ويقوم المختصون في وزارة الصحة كل ستة شهور بعمل فحوصات دورية للمياه الجوفية القريبة من وادي المطوي، وكلورة لمياه الينابيع التي تغطي 30% من حاجة سلفيت”.
الخنازير تؤرق بروقين
ويشير رئيس بلدية بروقين نافز بركات:” بروقين تتعرض لمكرهة صحية بسبب المياه العادمة المتدفقة لأراضيها، حيث تسبب خطر كبير على السكان، والمزروعات”.
وفي موضوع الأضرار التي تسببها مياه وادي المطوي على بلدة بروقين، يقول بركات:” نلاحظ بعض الحبوب على جلد المواطنين، وانتشار الأمراض، فمياه المجاري تجفف كل ما تمر عليه من نباتات، وكذلك تنتشر الخنازير بكثرة في المنطقة حتى أصبحت تتواجد في ساحات المنازل مساءً، وتسبب الذعر للأهالي”.
وتقدمت بلدية بروقين بطلب للحكومة للمساعدة في رفع الضرر عنهم، وتم تخصيص مليوني شيكل لتغطيه 2 كم من المياه العادمة، فقرت البلدية تغطية المياه العادمة التي تمر بجانب منازل المواطنين”.
ويشير بركات إلى أنهم قاموا بالتعاون مع بعض المتضامنين بإجراء فحوص للمياه العادمة، وثبت أنها خطيرة جداً، وتؤثر على الينابيع الموجودة لدينا، وقدما طلب لمشروع لتغطيه باقي المياه العادمة.
ومن الجدير بالذكر أن أعلى نسبة وفيات من السرطان في محافظة سلفيت هي في بلدة بروقين.
انعدام للأراضي الزراعية
المزراع أحمد بركات الذي يملك قطعة أرض محاذية لوادي المطوي يصف حاله قبل وبعد جريان المياه العادمة في الوادي، فيقول :”أضرار وادي المطوي متنوعة حيث سبب لنا الأمراض والروائح الكريهة، فلدي أرض محاذية له، قبل وجود هذه المياه العادمة كنت أزرع فيها الخضروات، ولكن بعد حلول هذه الكارثة انعدمت فائدة أرضي، وحتى الزيتون الذي فيها انتشرت فيه أمراض كثيرة”.
ويتابع:” نعاني كثيراً من مشكلة الخنازير الكثيرة التي تدب الرعب في قلوبنا، ولدينا تخوف من أن لا تستوعب أنابيب المياه العادمة المغطاة تدفق المياه في الشتاء، فبعض مناهلها غير مغلقة بشكل جيد، وبالطبع أطمح لوجود حل جذري أتصوره بعيداً المنال”.
ويبين رئيس بلدية كفر الديك جمال الديك:” قبل وجود المياه العادمة كانت المنطقة مليئة بالكثير من الأعشاب النادرة جداً، ولكن بعد ذلك انقب الوضع رأساً على عقب، فماتت كل النباتات لتحل مكانها النباتات الضارة، وحوالي 90% من الامراض لدينا سببها مياه وادي المطوي العادمة”.
ويضيف:” المياه القادمة من وادي المطوي هي مياه ملوثة يكثر فيها البعوض، وتؤثر على كل شيء، فسلطة المياه أزالت الضرر عن بروقين، ونحن حصلنا مؤخراً على مشروع لتغطية 2 كم في وادي كفر الديك، وسيتم تنفيذه الصيف القادم”.
ويواجه المزارعين صعوبة كبيرة في الوصول لأراضيهم التي يفصل بينها وبين الشارع تلك المياه الملوثة.
وفي قرية كفر الديك عين للمياه تسمى “الفوار” تلوثت بسبب المياه العادمة، وبالقرب من مكان المياه العادمة يوجد منتجعات سياحية كانت تشكل مصدر ترفيه لأهالي القرية، ولكنها أصبحت اليوم معدومة بسبب الروائح، والبعوض، والحشرات.
لا حلول جذرية
وفي سياق متصل يقول محافظ محافظة سلفيت اللواء ابراهيم البلوي:” مشكلة وادي المطوي كبيرة حيث كان قبل وجود المياه العادمة فيه محمية زراعية، ومنطقة جميلة تنتشر فيها اللوزيات، ومتنزه للأهالي، ولكن بسبب الاستيطان تم هجران وادي المطوي”.
ويضيف:” 70% من سلفيت مربوطة بشبكة مجاري، وفي حال تم تنفيذ محطة التنقية سنواجه عدة مشاكل، وهي تكلفة تشغيل المحطة غير مجدية، وسيتم حل مشكلة مياه عادمة سلفيت، ولكن مياه أرئيل ستبقى قائمة.
ويوضح:” نحن في المحافظة نعمل على تخفيف الضرر الحالي الواقع على المواطنين من خلال التواصل مع الجهات المعنية، وتم عمل خط ناقل للمياه العادمة في منطقة بروقين، ولكن المشكلة الأكبر حالياً في كفرالديك، حيث أصبحت كمية المياه العادمة المترسبة أكبر، وثبت أن هناك نسبة تلوث في عين الفوار بكفر الديك”.
ويبين البلوي:” تواصلنا مع الجهات المعنية لإيجاد مشروع جديد لعمل خط ناقل قبل كفر الديك”.
ويُذكر أن المتطلبات البيئة لترخص المصانع داخل اسرائيل تدفع الشركات الضخمة لتنفيذ مشاريعها في المستوطنات التي تكون فيها الرقابة، والضرائب أقل بكثير من داخل اسرائيل.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هل سيتم تنفيذ مشروع محطة التنقية، وبذلك تنتهي هذه الكارثة البيئية؟ أم سيكون انتظار المزارعين الذي طال طويلاً هباء منبثاً بلا جدوى؟.