شهداء مع وقف التسليم
دعاء زاهدة
تجول ام بيان غرف المنزل بحثا عن ابنتها في زوايا البيت، تزور سريرها المثقل برائحة الغياب، فببيان ابنة المنزل الكبيرة التي اعتادت أن توقظ الجميع كل يوم صباحا، لم تطرق اليوم أبواب الغرف لتوقظ أحدا.
يوم السبت الموافق 17 من شهر تشرين الأول الجاري استشهدت بيان أيمن العسيلي (16 عاما)، في مدينة الخليل، جنوب الضفة الغربية برصاصة مجندة إسرائيلية، أطلقت الرصاص باتجاه الفتاة العسيلي لدى مرورها على الحاجز العسكري، القريب من منزلها والمقام في منطقة 'واد الغروس' شرق مدينة الخليل، ما أدى إلى ارتقائها على الفور.
بيان التي خرجت من منزلها صباحا لتتلقى درسا في اللغة الإنجليزية بأحد مراكز تقوية اللغات، لتتمكن من تحقيق حلمها بالتفوق ودراسة العلوم السياسية حتى الوصول الى رتبة وزيرة، رحلت بعملية تصفية دون أن تودع أحدا.
تقول والدة الشهيدة بيان أم باسل: 'تلقيت خبر استشهاد بيان بفخر واعتزاز رغم وجع فراقها، فصغيرتي بيان شمعة البيت ومصدر قوتنا، لا أذكر أني قد طلبت منها طلبا ورفضته، وتضيف: لم أتمكن من وداع ابنتي أو شم عطرها للمرة الأخيرة، وحتى الآن لا أفق واضح لتسليم جثمانها، قلوبنا مشبعة بحسرات غيابها، يزيدها ألما عدم قدرتنا كأهل من دفن ابنائنا، ففي شريعتنا إكرام الميت دفنه'.
يذكر أن حكومة الاحتلال الإسرائيلي وباجتماع مجلس الوزراء الإسرائيلي المصغر وافقت على اقتراح وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي غلعاد اردان، بعدم تسليم جثامين الشهداء الذين تدعي تنفيذهم لعمليات ضد الجنود أو المستوطنين الى ذويهم، ملوحة بنيتها دفنهم بمقابر الأرقام.
أنشأت اسرائيل مقابر الأرقام بعد احتلالها فلسطين في عام 1948، وأطلقت هذه التسمية على المدافن السرية التي تستعملها سلطات الاحتلال لدفن جثث الضحايا، ويحتوي كل قبر على رقم خاص لا يتكرر، وكل رقم من هذه الأرقام مرتبط بملف تحتفظ به الجهات الأمنية الإسرائيلية.
وكانت إسرائيل أعلنت رسميا أن أكبر المقابر حجما هي مقبرة جسر بنات يعقوب، التي تقع في منطقة عسكرية بالقرب من ملتقى حدود فلسطين ولبنان وسوريا، وضمّت رفات 500 شهيد من جنسيات فلسطينية ولبنانية وسورية وأردنية وعربية مختلفة، تليها في الحجم مقبرة ريفيديم في غور الأردن، التي تسميها إسرائيل مقبرة )قتلى الأعداء(، كما سُرّبَت أنباء عن مقبرتين أخريين للأرقام، غير معلوم عدد الرفات فيهما، وقد قيل إن إحداهما مجاورة لمقبرة ريفيديم، والأخرى تسمى بـ(مقبرة شحيطة)، تقع في قرية وادي الحمام شمالي طبريا حيث وقعت معركة حطين.
وعهدت إسرائيل الى عقاب جثث الشهداء بعدم السماح بدفنهم وفق شريعتهم، ثم تطورت هذه الوسيلة إلى عقاب الأحياء ومساومة عائلاتهم.
وتفرض المادة (130) من اتفاقية جنيف الرابعة والمادة (34) من البروتوكول الإضافي الأول الملحق باتفاقيات جنيف، الذي يعتبر جزءا من القانون الدولي العرفي الملزم لجميع الدول، بشكل صريح دفن المعتقلين المتوفين أو من يسقطون في أعمال القتال باحترام واتباع إجراءات تتناسب وثقافتهم الدينية وبمجرد أن تسمح الظروف عليها واجب تقديم بيانات ومعلومات وافية عنهم، وحماية مدافنهم وصيانتها وتسهيل وصول أسر الموتى إلى مدافن الموتى واتخاذ الترتيبات العملية بشأن ذلك، وتسهيل عودة رفات الموتى وأمتعتهم الشخصية إلى وطنهم.
الناشط في حقوق الإنسان هشام الشرباتي أكد أن سلطات الاحتلال تتخذ جثامين الشهداء كأداة ضغط قائلا: 'رغم النصوص القانونية والمواد الملزمة الواضحة في القانون الإنساني الدولي، إلا أن السياسات الإسرائيلية والممارسات على أرض الواقع تظهر أن إسرائيل تتنكر بشكل واضح لهذه المبادئ والالتزامات برفضها تسليم جثث الشهداء ليتم دفنهم حسب الشريعة، اعتقادا منها أنها تستعمل جثث الشهداء كنوع من الابتزاز وأداة ضغط على ذوي الضحايا'.
الحملة الوطنية لاسترداد جاثمين الشهداء تمكنت من انتزاع قرار قبل شهر بعدم احتجاز جاثمين جديدة، وأصدرت المحكمة أمرا لسلطات الجيش بتسليمها ما لديها من جثامين بعد التأكد من هويتها.
منسق الحملة الوطنية لاسترداد جاثمين الشهداء والكشف عن مصير المفقودين في محافظة الخليل أمين البايض يقول: تمكنا في حملتنا من توثيق 480 جثمانا، واستلمنا دفعة أولى تقدر بـ96 جثمانا، يليها 36، وحصلنا على اعتراف في محكمة العدل الإسرائيلية بـ119 جثمانا آخر، إضافة إلى 19 آخرين لأبناء قطاع غزة.
ويضيف: إسرائيل تخشى إثبات صحة الرواية الفلسطينية بإعدام الشهداء بدم بارد دون وجود مبرر قوي، واحتجازها للجثامين، والتلويح بدفنهم في مقابر الأرقام يأتي لإخفاء الحقائق والأدلة محاولة منها لتهرب من المسؤولية عن جرائم الحرب التي ترتكبها، ويؤكد أن سلطة الاحتلال تحاول مساومة الأهالي بتسليم الجثامين ودفنهم دون إجراء عملية تشريح، لهذا ستكون أولى مرافعاتنا بالمحاكم الإسرائيلية بطلب لجان دولية لتشريح جثث الشهداء، مضيفا: إسرائيل تحاول تحويل حياة الإنسان الفلسطيني من اسم وهوية إلى رقم بلا اسم أو عنوان لتجريد قيمة الشهادة.
وتحتجز إسرائيل منذ بداية تشرين الأول الحالي جثامين 15 شهيدا سقطوا منذ بداية الهبة الشعبية التي انطلقت منذ بداية الشهر، وترفض تسليمهم إلى ذويهم لمواراتهم الثرى.