"زيتون أحمر".. مزارعون يحملون أرواحهم على أكفهم في حقول الزيتون القريبة من المستوطنات
بشار دراغمة - تناقضات المشهد حاضرة بقوة، مزارع يأتي من بعيد لينفي أي تناقض، يقول "هذا مشهد اعتيادي"، مستوطنون يحاصرون المكان، يرشقون الحجارة، يحاولون منع الناس من الوصول إلى أرضهم، لا شيء غريب هنا، لا تناقضات ولا حتى خروج عن المألوف، كل ما في الأمر أن اعتداءات جديدة ستضاف إلى سجل سابق حافل بكل الجرائم.
هذا هو التناقض بعينه أيها الرجل، فرغم أن الأمور تجري على غير طبيعتها المفترضة، إلا ذلك المزارع يعتبر الامر عاديا، ففي كل عام يحاول قطف ثمار زيتونه الواقع بالقرب من مستوطنة ايتمار المحاذية لبلدة عورتا جنوبي نابلس، يعيش مع طقوس عربدة استيطانية برعاية رسمية من قوات الاحتلال التي تنقسم إلى فئتين، إحداهما حامية للمستوطنين والأخرى معتدية على المواطنين الفلسطينيين.
لا جديد في موسم قطف الزيتون الذي انطلق رسميا هذا العام من بلدة عورتا، المواطنون يتجهون إلى أرضهم وهم يدركون في ذاتهم أن زيتونهم قد يصبح أحمرَ بفعل رصاصة يطلقها مستوطن أو جندي فتسيل الدماء من جسد فلسطيني على حبات زيتون لم يشعر صاحبها بالأمان حتى اليوم.
الأحداث التي تشهدها فلسطين اليوم تضيف مزيدا من المخاوف إلى قلوب المزارعين، فيدركون في ذاتهم ان اعتداءات المستوطنين ربما تكون أكبر وأكثر شدة من كل عام، رغم أن الغزاة لا يريدون أية ذريعة لتنفيذ جريمة، لكن مستوى المخاوف لدى المواطنين ارتفع بشكل أكبر، الأمر الذي يهدد موسم الزيتون وينذر بانخفاض كميات الانتاج في حال لم يتمكن المواطنون من الوصول إلى كافة أراضيهم، خاصة تلك المحيطة بالمستوطنات.
المواطن مازن عواد، يتحدث عن تصعيد في الهجمات التي ينفذها المستوطنون ضد أهالي بلدة عورتها، مؤكدا أن حالة من القلق المتزايد تنتاب المواطنين وهناك الكثيرون يخشون من الاقتراب من أرضهم.
وأضاف: "نحن قررنا جني ثمار زيتوننا مهما كان مستوى المخاطرة، لا نريد ان نترك حبة زيتون واحدة على الشجر، ندرك أن الأمر سيكون صعبا، لكن علينا ان نواجه كل التحديات".
وتمتلك عائلة عواد مئات الأشجار القريبة من مستوطنة ايتمار، ويقول المواطن ذاته "العام الماضي تعرضنا لمحاولات اعتداء، لكننا صمدنا في أرضنا وجنينا زيتوننا".
وبحسب عواد فإن الاستسلام لتهديدات المستوطنين يعني خسارة مادية وسياسية كبيرة، مضيفا "لن نترك اشجارنا وثمارنا لهم".
ويعمد مستوطنو ايتمار في كثير من الأحيان إلى قطع اشجار الزيتون وأحيانا سرقة الثمار التي يجنيها المواطنون.
وقد انطلقت الأسبوع الماضي حملة قطف الزيتون في المناطق المهددة بالاستيطان بتنظيم من هيئة مقاومة الجدار والاستيطان وبالتنسيق مع المحافظات الشمالية والمؤسسات الوطنية للعمل التطوعي.
وشارك في الحملة محافظ نابلس اللواء أكرم رجوب، ورئيس هيئة مقاومة الجدار الوزير وليد عساف، وقيادات من حركة فتح وأمين سر الإقليم جهاد رمضان.
وتسعى الحملة إلى تعزيز صمود المواطنين في أرضهم من ناحية، ومساعدة المواطنين على جني كل ثمار الزيتون والاقتراب حتى آخر شجرة قريبة على المستوطنات.
وقامت الحملة بتوزيع معدات على المواطنين في عورتا وخربة يانون وقرية عقربا وغيرها من المواقع، كما تمت مساعدة المواطنين على قطف زيتونهم، في وقت كان فيه المستوطنون يتربصون بالحاضرين فيما تتجول جيبات الاحتلال في المكان لحماية المستوطنين.
ويؤكد وليد عساف أن المستوطنين يمارسون دور المحرك والمحرض في الاعتداءات الأخيرة ضد ابناء شعبنا، مشيرا إلى أن حملة المساندة للمزارعين تسعى للوقوف في وجه كل المخططات الاستيطانية وتمكين المزارع من فلاحة أرضه وجني ثمار زيتونه.
وأشار عساف إلى ان الاحتلال يحارب الفلسطيني سياسيا واقتصاديا في ذات الوقت، ففي خربة يانون تحطيط المستوطنات بالمكان من جهاته الأربع وهناك مخططات للمزيد من البناء الاستيطاني.
من جهته قال اللواء أكرم رجوب: ان الفلسطيني سوف يواصل حياته ويقطف زيتونه الذي يمثل مصدر دخل أساسي للكثير من المواطنين، مشيرا إلى أن الحملة استهدفت المناطق الأكثر احتكاكا مع المستوطنين وقوات الاحتلال.
وتعمد قوات الاحتلال إلى التأثير اقتصاديا على المواطنين من خلال تحديد أربعة أيام فقط لجني ثمار الزيتون في المناطق المحاذية للمستوطنات، وهي مدة زمنية غير كافية لكثير من المزارعين، الأمر الذي يعني خسائر مادية كبيرة للكثيرين بالإضافة لحرمان المواطن من أبسط حقوقه وحقه في التنقل والوصول إلى أرضه.