ذكريات "الختيار" باقية وإن رحلت "العصفورة"
عبد الباسط خلف:
يكاد اسم "العصفورة" وهو اللقب الذي أطلقه الرئيس الراحل ياسر عرفات على سهام زكارنة ينتشر في كل أنحاء قباطية، لدرجة أنه يطغى على الاسم الحقيقي لصاحبته، التي كانت جمعتها بأبو عمار ذكريات في جبال بلدتها.
وحتى بعد رحيل "العصفورة" في الخامس عشر من أيلول (سبتمبر) الماضي، ما زالت رواياتها صامدة وأحاديث اللقاء الذي جمعها بالفدائيين في أحد كهوف البلدة عام 1967، وتتناقل قصتها الألسن.
يقول ابنها وائل: "لم يكن لقب أمي يضايقها، ولا أنسى حزنها الطويل على رحيل أبو عمار، إذ لم تنقطع عن البكاء طيلة ثلاثة أشهر وهي تتذكر الفدائي الذي عرفته وساعدته مع أخيها ومجموعة من أبناء بلدتها خلال تواجدهم السري في جبال قباطية."
ووفق رواية زكارنة الابن، فقد كانت الأم توفر الماء والغذاء للفدائيين وتخاطر بحياتها لخدمتهم، ذاكرا أن القصة بدأت حين خرج خاله رضا برفقة أصدقائه محمد عبد جعفر زكارنة ومحمد البرجس وهشام الباير وعلي جعفر إلى جبال قباطية، ووصولوا إلى منطقة (مراح شومر) وعثروا على مغارة صغيرة كان على مدخلها زيتونة تظللها، فدخلوها ليجدوا فيها خمسة فدائيين: أبو عمار، وأبو علي المدني، ونصري سعد الله ، وواحد من قرية صير وآخر بلدة بيت فوريك.
وبحسب الرواية التي انتقلت من "العصفورة" الراحلة إلى الأبناء، فقد كان الفدائيون يجلسون داخل المغارة للاستراحة وبجانبهم أربع بنادق، من غير أن يعرف رضا ورفاقه الذين غابوا عن بلدتهم أربعة أيام؛ صاحب الوجه المغطى باللثام،.
أصبحت العصفورة رغم حملها في ابنها البكر (وائل) تصل باب المغارة، وتضع الشراب والطعام وتعود إلى والدتها التي كانت تنتظر على بعد عشرات الأمتار.
وفي إحدى المرات وضعت سهام الطعام والشراب على باب المغارة، فخرج إليها أبو علي المدني وقال لها: "أنت اختنا وهذه أمنا بعهد الله"، وطلب منهما دخول المغارة.
وعندما دخلتا شاهدتا رجلاً يرتدي ملابس سوداء، ويغطى جزءا من وجهه باللثام، دون أن تعرفان انه أبو عمار، فسألته عن هويته ورد عليها: "يا حجة أنا اسمي محمد عبد الرؤوف القدوة".
وكما أخبرت "العصفورة" قبل رحيلها أولادها، رفضت أمها فكرة انضمام ابنها لخلية فدائية مقاومة للاحتلال، وبدأ أبو عمار يتردد على منزل العائلة في الحي الشرقي من قباطية بعد غروب الشمس للاستحمام، فيما تغسل سهام ملابسه وتعد له الطعام. ثم ضمها إلى صفوف حركة فتح، وظل وباقي خليته في جبال قباطية نحو شهرين.
ووفق الأبناء، فقد أطلق أبو عمار لقب "العصفورة" على أمهم لما واجهته من مخاطر وهي تؤمن للثوار الطعام والشراب، كما أحضرت جملين مع شخصين، لتأمين نقل الخلية إلى مكان آخر، فخرج أبو عمار ومن معه بعد أن تنكروا بلباس بدو رحل، وجعلوا الجمال والأغنام تسبقهم ليكونوا خلف القطيع متوجهين إلى جبال يعبد جنوب غرب جنين.
واستشهد الشقيقان فتحي وفالح الراشد من أعضاء الخلية الفدائية التي قطعت الشريعة غرقا بعد عشرة أيام من الانتقال إلى جبال يعيد، فيما تمكن أبو عمار ومن تبقى من أفراد خليته من العبور إلى الأردن.
انضم رضا شقيق العصفورية إلى صفوف (القوة 17)، ويوم السابع من آذار (مارس) 1969 نفذ برفقة أفراد خلية فدائية من "فتح" أول عملية فدائية في منطقة بيسان، وتم اعتقاله وأفراد خليته جعفر الملاح وهشام الباير ومحمد برجس، خلال محاولتهم تنفيذ العملية الثانية وحكموا بالسجن 17عاما لكل واحد منهم، وأطلق سراحهم في صفقة تبادل الأسرى العام 1985.
عام 1971 توجهت زكارنة إلى الأردن، ودخلت إحدى مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية في جبل الحسين برفقة والدتها لرؤية أبو عمار، وما كان من الأخيرة شوى أن أجهشت في البكاء بمجرد لقائها بالرئيس الراحل، حزنا على ابنها المعتقل.
فرضت قوات الاحتلال على "العصفورة" إقامة جبرية منذ عام 1976 ولغاية 1982، وكانت على موعد جديد للقاء أبو عمار بعد عودته إلى أرض الوطن في تموز (يوليو) 1997 عندما زار جنين وطلب لقاء "العصفورة" بالاسم.
يقول وائل: "كانت أمي تنقل الرسائل بـ(الكبسولات)، وقد نالت رتبة عقيد ودرست حتى الصف الثالث الإعدادي، وأنجبت أربعة أبناء: أنا وإبراهيم وأسامة وعلي، و3 بنات، وقد توفي والدي في 5 أيلول (سبتمبر) 2010، قبل عام تقريباً من رحيل أمي، فيما لا زالت قصتها منشورة بين الناس وفي الصحافة، حتى بعد وفاة الختيار أبو عمار."