القيادة.. ومشروعية هبة القدس- موفق مطر
هل ينظر لدعوات انشاء قيادة موحدة للقوى الوطنية لقيادة هبة القدس او ما يسميها البعض (الانتفاضة الثالثة) بمنظار حسن النوايا؟! الجواب نعم اذا كان المقصود قيادة سرية لا تتعدى مسؤوليتها تنظيم وضبط العمل الوطني الميداني، تمسك بزمام الأمور وتحكم سيطرتها على كل صغيرة وكبيرة في الحراك الشعبي، وتمنع الانحراف او الانزلاق نحو مربع الاحتلال، لكن من الحق النظر اليها بمنظار الخطر وما يحمله من الشك والريبة اذا كان المقصود قيادة تعطي لنفسها الحق بتقرير مصير وتوجهات الصراع، ورسم ملامح المصالح العليا للشعب الفلسطيني في المرحلة الحالية، ما يعني بكل بساطة اظهار القيادة السياسية للشعب الفلسطيني، وممثلة الشرعية والوحيدة منظمة التحرير الفلسطينية، والحكومة ايضا وكأنها كيانات شكلية.
تكمن مخاطر المنظور الآخر في ان هذه القيادة المطروحة للتداول في هذه الأيام، ستكون كحصان طروادة للوصول الى قلب دفاعات القيادة السياسية، والانقضاض عليها باستغلال الحراك الجماهيري.
كما تكمن مخاطره خاصة مع زيادة مصطلح والقوى الاسلامية الى مصطلح القوى الوطنية، في ان الجماعات الاسلاموية ستراها الفرصة الأنسب، للانقضاض على المشروع الوطني، وتمرير مشروعها الخاص، خاصة انها قد عودتنا على ركوب موجات الحراكات الشعبية الجماهيرية هنا في فلسطين وفي اقطار عربية، لقطف ثمار التضحيات وتجييرها لمصالحها الحزبية.
ستكون هبة القدس بمثابة الفرصة الذهبية، لخصوم الفكر الوطني للانقضاض على المفاهيم النضالية الوطنية، واخراج الهبة الشعبية عن سكة العمل الوطني، المنظم الواضح الأهداف، الى أعمال عنفية يتمناها قادة دولة الاحتلال العسكريين والسياسيين في هذه اللحظة وليس بعدها لتبرير جرائم الاعدام الميداني لجيش الاحتلال والمستوطنين.
سيرى البعض الذي طالما جاهر بعدائه للأجهزة الأمنية، وطالب باشهار السلاح نحو صدور ضباطها وافرادها، سيستخدم مشروعية وجوده في هذه القيادة لاحداث ما امكنه من الانفلات الأمني، واستدراج ردود فعل اسرائيلية مدمرة، تتيح لها الفرصة فيما بعد للتمكن واحكام سيطرتها على الشارع، فتتراجع عن مواجهة الاحتلال، لتفتح مواجهة شاملة مع الوطني الآخر، تماما كما حدث في قطاع غزة، سنوات قبل الانقلاب عام 2007.
تغيرت الظروف التي كانت عليها الانتفاضة الأولى، حيث لم تكن القيادة السياسية والميدانية للشعب الفلسطيني (منظمة التحرير الفلسطينية) متواجدة بفصائلها ومؤسساتها على ارض فلسطين مباشرة، وانما عبر قيادات سرية واخرى علنية كانت مهمتها قيادة الجماهير مباشرة، وفق رؤية وتوجهات القيادة التي كانت تدير الصراع من خارج ارض الوطن، اما اليوم، فان القيادة بكل مكوناتها، وبعمودها الفقري حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح هنا على ارض مركز الصراع، في الوطن، تتصدر العمل الوطني النضالي، وتبدع في رسم خطط المقاومة الشعبية السلمية، المتلازم مع النضال السياسي والدبلوماسي، وفي المحافل والمنظات الدولية.. تشاركها قيادات وكوادر ومناضلو فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، في صنع مرحلة جديدة، متلائمة مع قواعد الصراع الجديدة التي وضعتها القيادة السياسية بعد الحصول على قرار اعتراف بفلسطين دولة عضو مراقب، وان فلسطين على حدود الرابع من حزيران بعاصمتها القدس، دولة تحتلها اسرائيل، وان منظمة التحرير الفلسطينية بمثابة حكومة الفلسطينيين، ومن هنا فان اي قيادة سيتم تشكيلها يجب النظر بدقة الى تسميتها حيث تكمن مسؤولياتها وواجباتها، ولا تتعارض مع مسؤوليات القيادة السياسية للشعب الفلسطيني، التي استطاعت انتزاع مشروعية دولية لهبة القدس، ومشروعية الدفاع عن النفس، والمقاومة الشعبية السلمية ضد الاحتلال والاستيطان، باعتبارهما عدوي السلام الأبديين، وباعتبارهما الخطرالأعظم على استقرار وامن المنطقة وشعوبها، فالتفاعل الذي قل نظيره مع خطاب الرئيس امام مجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة، يعني اننا لا نحتاج الى قيادة جديدة لأنها موجودة وبجدارة، وانما نحتاج الى ترسيخ عقلية قيادية مسؤولة لدى الشباب، وكل المنخرطين في هذا الحراك، ومبدأ الالتزام بتوجهات القيادة السياسية، وقراءة المنحنى السياسي بدقة، حتى لا تتعاكس الأعمال النضالية، فيصدم بعضها بعضا.
نتمنى حسن النوايا في اي دعوة لتطوير وضبط اداء الجماهير الفلسطينية، في المواجهات، وسبل المقاومة الشعبية السلمية، فالتنظيم الناجح، والانضباط والالتزام في اداء المهمات السبيل الوحيد لحصاد أهداف وطنية، وتجربة عظيمة لتثبيت ودعم وتعزيز جذور الوحدة الوطنية، ورفع المصالح العليا للشعب فوق كل اعتبار.