الأغاني الوطنية.. هدير في قلب الشارع الفلسطيني
يامن نوباني
في بداية ثلاثينات القرن الماضي، كتب الشاعر الشعبي الفلسطيني نوح ابراهيم قصيدة 'من سجن عكا'، وهي قصيدة رثاء لمناسبة إعدام ثلاثة مجاهدين هم: محمد جمجوم وفؤاد حجازي وعطا الزير في سجن عكا بتاريخ 17 حزيران عام 1930 أثناء ثورة البراق، ومنذ ذلك الوقت وهي تُغنى في المناسبات الوطنية.
من كلمات القصيدة: 'كانوا ثلاث رجال تسابقوا عَ الموت، أقدامهم عليت فوق رقبة الجلاد، وصاروا مثل يا خال بطول وعرض البلاد، يا عين يا عين يا عين نهوى ظلام السجن يا أرض كرمالك، يا أرض يوم تندهي بتبين رجالك'.
في فترات الهدوء النسبي للأوضاع على الأرض الفلسطينية، يقل شيوع الأغاني الوطنية، لكنها سرعان ما تتألق منذ اللحظات الأولى في الهبات والانتفاضات المتتالية.
أغانٍ للشهداء والجرحى والأسرى والمبعدين، للعلَم وحجارة البيت المهدوم، للمدن التي نشتاقها، للقرى المهجرة وساحل البحر، للمواسم والبيادر والمنافي، لشجر الصنوبر والسنديان والبلوط، للحنون والميرمية.
على بسطة خلف جدار البنك العربي وسط مدينة رام الله، تُقلب شابتان اسطوانات أغانٍ وطنية، وتتبادلان الحديث مع صاحب البسطة حول أحدث الأغاني، وإن كانت هناك أغانٍ تخص القدس وغزة، وفي ذات اللحظة يدور شاب في مركبته الخاصة دورتين حول دوار المنارة، وهو يُعلي نشيد قاسم النجار 'تعرف شو يعني انتفاضة'. على بُعد 20 مترا محل تجاري في شارع الإرسال يخرج منه صوت أبو عرب: 'يا طير خذني عَ الوطن ودّيني، كحل عيوني بتربة فلسطيني، سلم عَ عكا وعَ الجليل العالي، بيرزيت وحيفا، الطيرة وعين غزالِ'.
يقول الشاب محمد الغوج من أريحا، إنه اشترى اسطوانتي أغان وطنية، الأولى تضم 15 أغنية وطنية قديمة وحديثة، والثانية لفرقة العاشقين، مشيرا إلى أن الهبة الأخيرة أثرت في عقول 80% من شبان فلسطين، فانتقلوا للأغاني الوطنية عوضا عن الأغاني الترفيهية.
أما علاء الدين نوفل من رام الله فيقول: أحتفظ ببعض الأغاني الوطنية على هاتفي النقال، والتي أستمع اليها باستمرار، وقبل أيام حصلت على اسطوانة تحمل أغنية من زمن الانتفاضة الأولى بعنوان: 'كبروا الصغار يا جبل النار'، بعد بحثي مطولا عنها.
في الشهر الأخير، انتقل رنين الهاتف خاصة لدى الشبان والفتيات في شوارع فلسطين إلى أغنيات تمتزج بالحالة الوطنية التي يعيشها الشارع، كمقطع: يا حجار صرتي الحلم، هدي أبواب الظلم، ثايرين ثايرين، وطالع فجرك يا هالليل، من أغنية حجار المنسيين لجوليا بطرس، وآخرون تنبعث من هواتفهم: طلت البارودة والسبع ما طلّ، مع السلامة وين رايح، مع السلامة يا مسك فايح، مع السلامة وين بدك، لأقعد على دربك وأردك. التي غنتها فرقة الفنون الشعبية التي انطلقت عام 1979.
يؤكد حمزه صافي من مخيم الأمعري، وهو صاحب بسطة لبيع اسطوانات الأغاني في شارع الإرسال برام الله، أن نسبة بيع اسطوانات الأغاني الوطنية وصلت إلى 90% من نسبة المبيعات، لأن الحس الوطني السائد يدفع الناس لشرائها، منوها إلى أنه يقوم بتجميع الأغاني في اسطوانة يتم بيعها بعشرة شواقل.
بسطة أخرى أمام مركز البيرة الثقافي، تُعلي صوت 'طالعلك يا عدوي طالع، من كل بيت وحارة وشارع'، بينما يقوم صاحب البسطة محمد أبو مخ من دير جرير شرق رام الله، بترتيب ألبوم جديد بعنوان 'القدس تنزف' على رفوف بسطته، منوها إلى أنه يقوم بنفسه بتجميع الأغاني ويختار اسما للألبوم، غالبا ما يكون إحدى أغنياته.
منذ بداية تشرين الأول الفائت تفتتح الإذاعات المحلية موجاتها على أصوات الناي واليرغول، وألحان ظريف الطول، إضافة إلى فقرات جفرا ودلعونا، وتستحوذ أغاني مارسيل خليفة وسميح شقير وجوليا بطرس وفرقة العاشقين وأشعار محمود درويش وتميم البرغوثي، على معظم ساعات البث.