زيتونة من لحم ودم
أسامة العيسة- لم يرَ يزن، صديقه عيسى المعطي (13) عاما، منذ ان أصيب الأخير، واعتقل في مستشفى إسرائيلي، لكنه تمكن أمس من رؤية قدم صديقه، التي بُترت، ودفنت في مقبرة الشهداء بين مخيم الدهيشة، وقرية ارطاس، جنوب بيت لحم.
وصلت قدم الطفل المصاب، إلى المقبرة، مع حضور عيسى قراقع، رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين، الذي بادر إلى تنظيم مراسم الدفن، الفريدة.
والدة المصاب، التي انتابتها مشاعر متضاربة، وقفت مع اختها، وشقيقها الأسير المحرر عيسى عبد ربه، الذي أمضى 30 عاما في سجون الاحتلال، تراقب عملية دفن جزء من جسد ابنها الذي عانى ما لا يمكن للجبال ان تتحمله من ألم، كما قالت خالته، وهي تصف الظروف التي عاشها في مستشفى هداسا عين كارم.
أعد مربع في مكان قصي في المقبرة، وضعت فيه الرِجل المبتورة، ثم زُرعت بجانبها شجرة زيتون، وجانبها ثُبتت لوحة توضيحية عليها صورة الطفل المعطي وهو على سرير المستشفى يرفع شارة النصر، وخط تحتها: "تحت هذه الزيتونة دُفنت قدم الطفل المصاب عيسى المعطي"، ومقطع من قصيدة لتوفيق زيّاد: "أبوس الأرض تحت نعالكم، وأقول افديكم".
الشيخ عبد المجيد عطا مفتي بيت لحم، الذي شارك في مراسم دفن القدم، ارتجل خطبة أمام الحضور، وخاطب والدة الجريح، مستشهدا بمثال الصحابية نسيبة بنت كعب المازنية، التي حملت السلاح، ودافعت عن الرسول صلى الله عليه وسلم مع أولادها وزوجها الذين استشهدوا جميعا، بينما أصيبت هي، وكانت تستحي حضور مجالس الناس، ويدها مقطوعة، فأرسل لها عمر بن الخطاب رضي الله عنه قائلا: ما يضيرك اذا عضو منك سبقك إلى الجنة؟
واضاف عطا: "لم تدفن قدم عيسى في التراب، بل لها حساب عند الله سبحانه وتعالى".
وشدد قراقع، في كلمته، على ان بتر قدم الأسير الجريح، وممارسات العدو الأخرى، هي لائحة اتهام ضد الاحتلال وممارساته.
وقال: "هذا يوم صعب، ندفن فيه جزءا من جسد الأسير الجريح عيسى، نقول للعالم: ان هذا العدو، يوجه أسلحته باتجاه القاصرين، يُطلق الرصاص الحي والدمدم المتفجر، كما حدث مع عيسى، ما إدى إلى بتر جزء من القدم".
وأضاف: "هناك الآلاف من المصابين، والآلاف من الجرحى، بعضهم اعتقل، وجميعهم ضحايا قرارات إسرائيلية رسمية، في محاولة قمع الانتفاضة".
واعتبر قراقع، مراسم الدفن، والوقفة التي أعقبت ذلك، تحية لأسرانا في سجون الاحتلال كافة، من خلال الطفل الجريح الأسير عيسى المعطي، مؤكدا ان تضحيات شعبنا لن تذهب هدرا.
وقال: "مثل هذه الجرائم، شواهد على جرائم العصر الاحتلالية، وستكون شاهدا، في محاسبة وملاحقة المجرمين الذين يقنصون الأطفال، ويطلقون النار بقصد القتل".
وكان المعطي، أُصيب يوم 18/9/2015، خلال مواجهات قرب قبة راحيل شمال بيت لحم، بعيارين، في ساقه اليمنى، وفي 27/10/2015، بتر الأطباء قدمه، ووضعت في ثلاجة مستشفى بيت جالا الحكومي، حتى دفنها أمس.
وكانت سلطات الاحتلال وافقت على اطلاق سراح، الطفل المعطي، بكفالة مالية بقيمة 2500 شيقل، لكن نيابة الاحتلال العسكرية، استأنفت، وأعيد المعطي للاعتقال، وقُيد السلاسل، في سرير المستشفى.
الطفل يزن، الذي كان يرى صديقه عيسى عندما يأتي لزيارة منزل جدته في مخيم الدهيشة، آتيا من حارته القريبة من ساحة المهد في مدينة بيت لحم، تمكن من التسلل من بين أجساد الحضور كبار السن، ليلقي نظرة أخيرة على جزءٍ من جسد صديقه، قبل مواراتها التراب.