'سلميّة' حتى استرداد الجثامين
دعاء زاهدة
ليست الأعمار يوماً شفيعاً لك في مواجهة بندقية لا ترى، يحملها جندي إسرائيلي، كيفما التفت أطلق رصاصة من فوهتها ليصيب قلباً في مقتل، وأرواحا أتعبتها غصة الفراقا.
في يوم الجمعة 26/2/1988 وبعد الانتهاء من الصلاة خرج المصلون من مسجد الحرس في مدينة الخليل لتندلع مواجهات بين الشبان الفلسطينيين وجنود الاحتلال الإسرائيلي، ليطلق الجنود قنابل الغاز المسيل للدموع على المصلين ويعلن عن استشهاد فؤاد أيوب الشعراوي كأول شهيد في انتفاضة الحجارة بالخليل. الجمعة الماضية، خرجت الحاجه السبعينية ثروت الشعراوي 'أم ايوب' بعد صلاة الجمعة من منزلها لزيارة ابنتها الكبيرة أحلام، لتناول طعام الغداء مع أحفادها، فتعرضت سيارتها لوابل من رصاص الاحتلال ليلحقها بزوجها فؤاد، شهيدة.
رغم تجاعيد الوجه، إلا أن الابتسامة لم تفارقها يوماً، 'احتفلت ثروت بعيد ميلادها الـ72 بالورود والشموع والأغاني، ووزعت أحضانها على جميع من حضر لتهنئتها، فهي كانت تحب الحياة، وتدفعنا دائماً لمواجهة صعابها بالصبر والتفاني في العمل' قالت ابنتها أحلام الشعراوي.
الحاجه ثروت 'أم أيوب' صبرت على ضنك الحياة، ليتعب الصبر منها، فتحت أبواب منزلها لكل من احتاجها، فكانت أم المساكين أيضاً.
أمس خرجت في مدينة الخليل مسيرة تطالب باسترداد جثامين الشهداء المحتجزة لدى الاحتلال الإسرائيلي، شاركت في المسيرة جماهير غفيرة من أبناء المحافظة والقوى الوطنية، إضافة إلى أحلام الشعراوي وشقيقتها منال وعائلات 12 شهيدا آخر من أبناء المحافظة، يطالبون باسترداد جثامين أبنائهم لمواراتهم الثرى وفق الشريعة الإسلامية.
تقول أحلام: 'راحت روح والدتي عند رب العالمين، وإن شاء الله ربنا يبدلها جسداً خير من جسدها في الجنة، لكن راحتنا بدفنها وفق الأصول'، وتضيف: 'لا يوجد أي معلومات حول تسليم جثمانها، وما زلنا بانتظار إعلان الارتباط الفلسطيني عن موعد لتسلّمه'.
والدة الشهيد مالك الشريف شاركت أمهات الشهداء في المسيرة، تشابكت أيديهن ليوحدن الهتاف والصوت تحت راية العلم الفلسطيني. تقول أم مالك: 'جميع الشهداء هم أبناؤنا، ونحن مستمرون في مساعينا ومسيراتنا السلمية حتى يتم تسليم جميع الجثامين، لنزفهم الى مثواهم الأخير'.
بأقصى ما لدى حنجرته من امتداد هتف عبد الكريم الأطرش شقيق الشهيد سعد الأطرش لأرواح الشهداء، حمل صورة شقيقة على رأسه، معانقة عنان سماء المدينة التي أحبها وتربى فيها.
وبحسب اتفاقية جنيف الرابعة فإن القانون الدولي يفرض وبشكل صريح دفن المعتقلين المتوفين أو من يسقطون في أعمال القتال باحترام واتباع إجراءات تتناسب وثقافتهم الدينية وبمجرد أن تسمح الظروف.
ويقول مدير الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان فريد الأطرش: 'جريمة احتجاز جثامين الشهداء انتهاك لاتفاقية جنيف التي تمنع دولة الاحتلال من احتجازهم. رسالتنا هي ضرورة تسليمهم لذويهم بأقرب وقت ممكن من أجل دفنهم بما يليق بكرامتهم، وللكشف عن الأدلة التي تثبت إعدام الشهداء بدم بارد'.
أمين البايض منسق الحملة الوطنية لاسترداد جثامين الشهداء في الخليل يقول: 'نحيي موقف السلطة الوطنية التي رفضت المساومات الإسرائيلية، فقرار الحكومة الإسرائيلية باعتقال جثامين الشهداء أبطل بقرار محكمة سابق بعدم اعتقال الجثامين. الموضوع أيام أو ساعات وسيفرج عن كل الجثامين لأن احتجازهم عبئ قانوني وأخلاقي على الجانب الإسرائيلي، القانون أمامنا وأمامهم، والقانون حكم لصالح أهالي الشهداء باسترداد جثامينهم، إنها مسألة صبر فقط'.
من جانبه، أكد محافظ الخليل كامل حميد، أن قضية تسليم الجثامين هي قضية رأي عام، قائلا: 'رسالتنا بضرورة تسليم جثامين الشهداء وعدم السماح بأي ابتزازات سياسية، فهذه مسألة انسانية وأخلاقية، وهي تمثل قضية هامة تعبر عن رأي شعبي، كما أن أهالي الشهداء والقيادة يؤيدون هذه المطالب التي لا يمكن التراجع عنها'.
ويضيف حميد: 'جميع من تحدثنا معهم أكدوا أن هذه المسألة ستحل، ولكن بلا أي وعود بتواريخ محددة .'
وما زالت دولة الاحتلال تواصل احتجازها لجثامين 13 شهيداً من أبناء محافظة الخليل، وترفض تسليمهم لذويهم لمواراتهم الثرى .