هذا هو ياسر عرفات
احد عشر عاما مرت على رحيل الزعيم "شهيدا، شهيدا، شهيدا " وحرقة القلب لا تزال على حالها، هذا يعني كأنه غاب للتو، غير ان هذا يعني ايضا أنه عصي على النسيان، وانه خالد حقا في وجداننا، وجدان شعبنا الذي احبه "ختيارا" طالما لملم شمل العائلة الوطنية من حوله، وقائدا طالما اقتحم أصعب الدروب وأخطرها، في سبيل تقدم مسيرة الحرية الفلسطينية، نحو القدس عاصمة حرة، لدولة فلسطين الحرة المستقلة.
وبمثل هذا الخلود فان ياسر عرفات برغم غيابه المادي المر، حاضر في معنى المسيرة ومبناها، مسيرة الحرية ذاتها، التي شق طريقها مطلع العام خمسة وستين، مع اخوته في حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح"، وحاضر بروح هذه الحركة، وفكرها ونهجها الذي ما زال وسيبقى هو نهج الجامعة الوطنية، ونهج الاشتباك مع الصعب والمستحيل معا، من أجل انتصار فلسطين وقضيتها العادلة.
وبهذا المعنى فان خلود ياسر عرفات، هو خلود وطني فتحاوي، مثلما هو خلود القرار الوطني المستقل، والاراة الحرة، والتمسك بالثوابت المبدئية، وبما يعني انه مع مثل هذا الخلود الواقعي حتى في مجازاته، لا يمكن لمسيرة الحرية والتحرر الوطنية، ان تتراجع أو ان تساوم على أهدافها المشروعة والعادلة، وليس أوضح دليلا على ذلك اليوم، أكثر من اشتداد الصراع مع الاحتلال واستيطانه، وما من شك مطلقا، ان هبة القدس انما انطلقت من حقيقة سلامة الارادة الفلسطينية الحرة واصرارها على المضي قدما حتى بصدور عارية، في التصدي للمحتل، مهما بلغت عدوانيته وغطرسته الحربية والعنصرية.
انها ثقافة الصمود والتحدي تتخلد بفعل رسوخها في قوى الشعب الفلسطيني الحية، وياسر عرفات هو ايقونة هذه الثقافة، ورمزها الذي لا يكف عن التوهج، وهي الثقافة التي راح الرئيس أبو مازن وما زال يعزز حضورها العملي في المقاومة الشعبية السلمية، منذ ان اطلق نداءه الحميم: ارفعوا رؤوسكم فأنتم فلسطينيون. أحد عشر عاما، والمسيرة على حالها، في الاشتباك مع المحتل، والتقدم نحو فلسطين الدولة وهو تقدم أثمر حتى الآن حصولها على عضوية المراقب في الأمم المتحدة، وعلمها بات يرفرف هناك بين أعلام دول العالم كلها.
لسنا تعبويين هنا بقدر ما اننا نريد ان نحيي الذكرى بما يجسد معانيها وحقائق هذه المعاني، بوصفها معاني الحياة الوطنية، ونريد ان نحييها على هذا النحو كي لا تكون مجرد مناسبة سنوية، فياسر عرفات بداية كل يوم، وله في كل مكان حضور وحكاية، وله في قلوبنا كل الحضور وكل الحكايات. لسنا نعدد سنوات الفقد ولكننا نحتفي بعمره الجديد في التاريخ والرواية، وهذا هو ياسر عرفات، هذه حقيقة معناه الذي لن يكف عن الحضور أبدا.
كلمة الحياة الجديدة - رئيس التحرير