الشهيد طالب الحقوق البو.. تخرج بشهادة أخرى
دعاء زاهدة
على سرير حديدي أسود أنيق، في غرفة صغيرة داخل منزل العائلة الكبير، تسلل شعاع من الشمس كعادته ليرمي بنوره على وجه حسن حينما كان ينام هناك، حيث اعتاد على دخول شعاع الشمس لغرفته في نهاية كل أسبوع، بعد عودته من جامعة القدس أبو ديس حيث يدرس الحقوق.
لم يقم حسن ليغلق هذه المرة النافذة طالباً دقائق إضافية من النوم، ولم ينادي على والدته لتسدل الستائر، فعيونه استسلمت في نوم أبدى حيث لا عودة بعدها.
شقيقات الشهيد السبعة التففن حول سريره، والدته التي احتضنت رأسه لتغدق عليه بقبلات ستحرم منها بعد اليوم، والده وقف يراقب بانكسار جثمان ابنه على سريره.
تجلس أم حسن وحولها نساء العائلة، يطلقن الزغاريد والهتافات، تهمس لنفسها لعل كلماتها تثبت قلبها لحظة وداعه قائلة: 'الله يصبرني ويهنيك، زفيتك يما عريس زفيتك يما شهيد'، تمسك بيد ابن شقيقها ورفيق درب ابنها مطلقة زغاريدها: 'كل شباب الوطن حسن، أنا كان عندي حسن واحد واليوم كل أولاد فلسطين أولادي'.
لم يكن يتخيل والد الشهيد أن أحلامه بطفله المدلل ستنهار في لحظة، لم يتوقف يوماً عن الحديث عن المستقبل، والتخطيط لما بعد التخرج، فحسن على وشك التخرج في نهاية الفصل.
يقول والد الشهيد: 'ابني مثله مثل كل الشباب إلي راحوا، ابني مثل 85 شهيد كانت وجوهم مثل الورد، الله يرضى عليه كأنه مش شهيد كأنه نايم'، يضيف: 'كان يحلم حسن بافتتاح مكتب محاماة، والزواج فطالما حلم بتأسيس عائلة، رحمه الله'.
شقيقة الشهيد الكبيرة احتضنته لتعلق رائحته للمرة الأخيرة في ثيابها، تقول:' ناديت على حسن قبل خروجه أمس أخبرني أنه سيعود بعد 5 دقائق، كان يدرس لامتحانه، وخرج لتلبية نداء ربه، الله يرحمه ويسامحه ويسهل عليه، هاد حبيبي وأخوي الحنون' .
قمر البو شقيقته الصغيرة لحقت بحسن الى مسجد النبي يونس، وقفت مع شقيقاتها ووالدتها تحاول تهدأتها والتخفيف عنها، تقول قمر:' كنت أنظر إلى حسن أخي الكبير بفخر، وأناديه الأستاذ المحامي حسن، كنا نشتاق له ولما يرجع من الجامعة كان يستقبلنا بالأحضان، ستبقى صورة الأخيرة في مخيلتي وأنا أقبله وهو جثة على سريره'.
خرج حسن يوم الجمعة خمس دقائق، لتصيبه رصاصة مباشره في القلب، وليحاول الأطباء في المستشفى الأهلي انقاذ حياته ليكون نداء ربه اليه أقرب فيرتقي شهيداً .
أصدقاء الشهيد وزملاؤه في جامعة القدس أبو ديس حضروا لمشاركة أهالي بلدته في تشيع جثمانه، احتضنه أصدقائه وذرفوا الدموع بحرقة على زميلهم الذي وعدهم بعلامة كاملة في الامتحان القادم، يقول صديقه: 'درسنا على الامتحان معاً، وسنذهب إلى الجامعة لتقديمه وحدنا، كنا على عهدنا بتخرجنا سوياً، ليسبقنا حسن بشهادة أعظم من الدنيا كلها، رحمة الله'.
أهالي بلدة حلحول حملوا الشهيد البو على الأكتاف من منزله الى مسجد النبي يونس ليصلوا عليه ويوارى الثرى في مقبرة النبي يونس حيث مثواه الأخير.
وبحسب وزارة الصحة فإن حصيلة الشهداء منذ بداية الهبة الجماهيرية في الثالث من أكتوبر الماضي بلغت 86 شهيدا، من بينهم 18 طفلاً و4 سيدات.