"الحرية" تصدح من وسط الركام
محمد مسالمة- قرار جائر ما زال الاحتلال يصر عليه ويتعدّى به كل الخطوط الحمراء في الاطار القانوني والاخلاقي والانساني، حيث أغلق اذاعة منبر الحرية في مدينة الخليل، وتعدّى على ترددها ثانية ليتعطّل جهاز "الارسال" وهو في مكان اخر، فأصبح الاثير مختطفاً والمكان مدمراً، وتشرّدت الكلمات من افواه الاعلاميين العاملين فيها.
خطوة أقدم الاحتلال عليها، واعتبرها الكثيرون بمثابة رسالة ستصل كافة المؤسسات الاعلامية، مفادها أن الجهاز الاعلامي مستهدف، والرواية الفلسطينية ما لبثت ان تبلورت حتى أصبحت تشكّل خطراً مجرد انها تمثّل "الحقيقة".
وبعد عشرات المناشدات والتنديدات التي اطلقتها المؤسسات الفلسطينية على رأسها وزارة الاعلام، وكذلك المنظمات الحقوقية والاعلامية، ما المواقف العملية التي ستقوم بها الاذاعة؟ وكيف تساهم نقابة الصحفيين في ردع الاعتداء وتعزيز الصمود الاعلامي؟ وحول الطاقم الاعلامي التابع للاذاعة.. هل سيتركها ام يصمد معها؟
ستعود الاذاعة للبث ولو على متن طائرة !
قال نقيب الصحفيين الفلسطينيين عبد الناصر النجار ان النقابة بعثت رسائل لمؤسسة اليونسكو ولمنسق عام الامم المتحدة، ولاتحاد الدولي للصحفيين بشأن اغلاق اذاعة منبر الحرية، وان النقابة بالتعاون مع وزارة الاعلام قامت بزيارة الاذاعة، وتسليمها ادوات لمواصلة البث الاذاعي، الا ان الاحتلال عاد ومنع الاثير مرة اخرى، مشيراً الى ان الجهود ستتواصل على المستوى الداخلي والخارجي من أجل استمرار عمل الاذاعة ، وكذلك الاحتجاج ومخاطبة المنظمات الخارجية في سبيل الضغط على الاحتلال ليوقف اعتداءاته ضد الاعلاميين ووسائل الاعلام الفلسطينية.
وأضاف في حديث لـ "استراحة الحياة" ان اعتداءات الاحتلال على الطواقم الاعلامية مستمرة، وبالتالي لا يتوقع اطار زمني معين من بعده تستأنف اذاعة الحرية بثها، ولكن الأمر الأهم من ذلك هو الصمود والتحدي والوقوف ضد قرارات الاحتلال الاسرائيلي غير القانونية، بمواصلة البث الاذاعي لمنبر الحرية بكل السبل، وان كان كل يوم من مقر وسيلة اعلامية أخرى، في مشهد تتكاتف فيه جميع الاذاعات في الخليل والوطن بالوقوف جنباً الى جنب لدحر اعتداءات الاحتلال، ولكي لا يفسح المجال أمام سلطات الاحتلال باستضعاف المؤسسات الاعلامية والتطاول عليها وتمرير تجربته في مأساة الحرية الى المؤسسات الاخرى.
وتابع: "ستعود منبر الحرية تواصل بثها ولو على متن طائرة !، وهي ليست المرة الاولى التي يقوم بها المحتل بالتعدي على مؤسسات اعلامية تقع تحت السيادة الفلسطينية في مناطق (أ)".
القواسمي: ما زالت "الحرية" تنتظر حلول عملية
وأكد ايمن القواسمي مدير اذاعة منبر الحرية ان وقوف المؤسسات الفلسطينية الى جانب طاقم الاذاعة بالتنديد وادانة اعتداء الاحتلال كان له الاثر المعنوي الكبير، لكن المواقف العملية تحتاج الى المزيد من الخطوات التي ترأب الصدع، وتمسك بيد الاذاعة على النهوض مرّة أخرى.
وأشار في حديث لـ" الحياة الجديدة" الى ان الاذاعة ما زالت تنتظر حلول عملية وليست خيالية على الرغم من المبادرات التي قامت بها النقابة والوزارة حيث التقى الوفد بعد اليوم الأول من تدمير الاذاعة مع مدير الغرفة التجارية ليخاطب المؤسسات الاقتصادية المعلنة في الاذاعة من أجل الاستمرار في تمويل الحملات الاعلانية، وان هناك استجابة من بعض الشركات لمواصلة تقديمها رسوم الحملات الاعلانية.
وأضاف ان وسائل الاعلام في المحافظة تعاونت مع اذاعة الحرية بمحاولة اعادة البث من مقراتها، ولكن قوات الاحتلال قامت بعملية تشويش قوية جداً على التردد ما ادى الى تعطيل جهاز البث.
الموظفون صامدون مع صمود الاذاعة
وأوضح القواسمي ان طاقم الاذاعة المتمسك بصمودها يمارس عمله من خلال الموقع الالكتروني التابع للاذاعة، وينقل التغطية لحظة بلحظة، وان الاذاعة شهدت مواقف صمود من مواطنين أحضروا اموال ومصاغ ذهبي وأخرون تبرعون بمقتنيات وممتلكات دعماً للاذاعة وبقاءها.
وقالت الاعلامية ساجدة سويطي التي تقدّم برامج اذاعية في منبر الحرية أن الاذاعة تقدم خدمات واسعة للمواطنين خصوصاً في ظل استمرار اعتداءات الاحتلال الاسرائيلي، حيث تبث رسائل اعلامية حول حالة الطرق واغلاقات قوات الاحتلال ونشاطها في المحافظة، مشيرة الى أن الاذاعة تحافظ على تماسك المجتمع من خلال نقل الصورة بطريقة صحيحة.
وأضافت: اذاعة الحرية مكانتها كبيرة في قلبي، وروتين حياتي اليومي تعود على عملها، عندما اكون في طريقي متوجهة كل صباح لموجز اخبار الساعة التاسعة، أحرص على عدم التأخير حتى لا نتأخر على المستمعين ونحافظ على جودة العمل، وبالتالي تدمير الاذاعة ترك فراغاً كبيراً، وعندما عدنا للبث مرة اخرى في ساعات محددة، قدّمت موجزين وكانوا بالنسبة لي من أفضل الاعمال خلال فترة عملي في منبر الحرية، واتمنى ان نعود".
"لم اعد قادرة على سماع الاخبار"!
وتابعت ساجدة انها تواصل متابعة الاخبار أولاً بأول، ولكن عندما اغلق الاحتلال الاذاعة لم تعد قادرة على متابعة الاحداث، حيث اقصى الاحتلال دورها في نقل الحقيقة، "اصبت بحالة من الاكتئاب، وافضل الانعزال قليلاً، كي لا أشعر بالعجز".
وأوضحت انها تقدمت بمقترح لادارة منبر الحرية من أجل مواصلة العمل، يتمثل في عمل مجموعات خاصة بالاذاعة على تطبيقات برامج الهواتف الذكية يتم من خلالها توصيل الاخبار والاستمرار في تغطية الاحداث، حيث تقوم الادارة بدراسة مقترحها وربما يتم تنفيذه.
وقال الاعلامي راضي كرامة الذي يعمل مقدم برامج في منبر الحرية أن الاذاعة ستخرج من جديد وتعيد بث البرامج بشكل عام، وتعود بنقلة نوعية على مستوى البرامج حيث تعود متابع منبر الحرية، بالارادة والصبر وتحدي الاحتلال الذي يسعى لتكميم الافواه بشكل عام.
وأوضح أن الحرية تمثل بيته الثاني، وليست مجرد مؤسسة اعلامية يعمل بها، مشيراً الى انها مدرسة كوّن من خلالها الكثير من خبرته الاعلامية.
وأكد انه لن يتخلّى عن الاذاعة، وانه صامد الى جانبها، وقال: لن اذهب للعمل في مكان اخر، وسنبني الاذاعة من جديد من خلال المثابرة والاصرار في سبيل الوصول الى الهدف، وان الانصياع لساسية الاحتلال مرفوض، واذا كانت نيّة الاحتلال اسكات الصوت فان الحرية ستعود وتكون أكثر جرأة وقوة من السابق".
الاعتداء الاسرائيلي لا يستثني وسائل الاعلام، وربما قوة الرواية الاعلامية الفلسطينية أصبحت بمثابة الرهان والأداة التي تؤرق الاحتلال وتفضح جرائمه وتمارس حقها في نقل "الحقيقة" التي تزعج المعتدي وتصبح هدفاً لاستهدافه.