الهبة الشعبية.. مُدن وجامعات
يامن نوباني
حي البالوع..
تُعرف مدينة البيرة أنها من أهدأ مدن الضفة الغربية، هذا الهدوء القوي سرعان ما حول شارعها الرئيس والمسمى 'شارع نابلس' إلى منطقة احتكاك ساخنة، حيث تحولت الشوارع الجميلة والواسعة إلى شوارع سوداء بفعل إشعال إطارات السيارات من قبل الشبان، فيما راحت الطرق فيها تضيق بعد وضع المتاريس وخاصة حاويات القمامة لإعاقة تقدم آليات الاحتلال نحو حي البالوع.
على دوار فلسطين في مدخل البيرة الشمالي، الذي يبعد عن حاجز 'بيت إيل' العسكري 200 متر، تأتي الحافلات من جامعة بيرزيت، بعد اعتصامات ودعوات مساندة للهبة الجماهيرية، يتجمهر الشبان في وقت الظهيرة، حيث تبدأ المواجهات بين الشبان وقوات الاحتلال، وتستمر حتى ساعات المساء، حيث تخف حدتها في الليل إلى أن تنتهي تماما، في أحد أيام المواجهات كتب شاب على حاوية قمامة تابعة لبلدية البيرة قبل أن يتمترس خلفها بأحجاره : 'بلدية البيرة قسم الانتفاضة'.
محيط مسجد بلال بن رباح..
على مدخل بيت لحم الشمالي وفي منطقة مسجد بلال بن رباح، التي يسميها الاحتلال 'قبة راحيل'، حيث شارع القدس بيت لحم الخليل الرئيسي، نقطتا مواجهة، الأولى قرب مخيم عايدة، يتمركز أطفال وشبان المخيم في المقبرة المجاورة وتبدأ المواجهات، يُخفي الأطفال مقاليعهم وشُعبهم بين القبور للمواجهة القادمة، والنقطة الثانية، في قلب الشارع الحيوي والسياحي، حيث فندق جاسر التاريخي، إضافة لعدد من المطاعم الشهيرة ومحال التحف والحفر على الخشب، قرب فندق جاسر تقع الحبلة وهي قطة أرض وعرة حيث يوجد بيت قديم وصفوف حجارة يحتمي بها الشبان لمواجهة الجنود، يطلق الجنود الرصاص وقنابل الغاز بكثافة، وبفعل الرصاص استشهد العديد من الشبان في المنطقة، بينما ينتشر الغاز السام في الجو، معكراً الحياة في المنطقة، والتي تشهد ازدحاما مروريا بفعل المواجهات شبه اليومية، ولا تبعد نقطة المواجهة عن حاجز الـ300 سوى مئات الأمتار، وهو الحاجز الفاصل بيت لحم عن القدس.
باب الزاوية..
في الخليل جنوب الضفة الغربية، وهي المدينة الأشهر تجاريا وصناعيا في الضفة، والأكبر من حيث عدد السكان والمساحة والأحياء السكنية، تقع المواجهات في منطقة باب الزاوية، في الطريق المؤدي الى شارع الشلالة وشارع الشهداء وحاجز الكونتينر في المنطقة الواصلة بين h1 التابعة للسلطة الوطنية الفلسطينية، وh2 المسيطر عليها من قبل الاحتلال، ويعتبر باب الزاوية مساحة مفتوحة في قلب الخليل تتفرع وتلتقي منه شوارع عديدة ومهمة، ومركز المدينة التجاري وبسبب الممارسات الاحتلالية انتقل نشاط الحركة التجارية الى عين سارة، ما أن تبدأ المواجهات بين الشبان وقوات الاحتلال حتى تتحول المنطقة النابضة بالناس والحركة إلى منطقة خالية من الحياة، ويتحول فيها صخب التجار والزبائن والمتجولين، إلى متاريس من قطع حديدية تالفة يأتي بها الشبان لتحميهم من الرصاص.
في دقائق معدود يتحول المشهد إلى رصاص قاتل ودخان كثيف يطلقه الاحتلال، ومركبات اسعاف تنقل من أصابهم الرصاص والغاز الى مستشفيات المدينة. بعد مجزرة الحرم الابراهيمي في العام 1994، تحولت حياة الساكنين في تل الرميدة والبلدة القديمة من الخليل الى جحيم، حيث يمنع الاحتلال السكان من البناء والتطور العمراني، إضافة لإغلاقه عشرات المحال التجارية منذ 21 عاما في شارع الشهداء، بينما يسمح ويطور ويحمي عدد من المستوطنات في قلب المدينة وأرجائها.
حي النقار..
في أخفض منطقة من مدينة قلقيلية، الواقعة شمال الضفة الغربية، يقع حي النقار، في الجهة الغربية منها، والذي يشهد غالبا مواجهات بين المواطنين وقوات الاحتلال في المحافظة، آخر بيت في النقار لا يبعد أكثر من 50 مترا عن جدار الضم والتوسع العنصري الذي يطوق المدينة، حيث تعتبر المدينة الأكثر تضررا بفعل الجدار والاستيطان. في المساحات الزراعية الفاصلة بين الحي والجدار تدور المواجهات، فيما يتربص الاحتلال للشبان من خلال الكمائن التي يقيمها بين المزروعات، والتي بدورها تضررت بشكل كبير بفعل قنابل الغاز المسل للدموع، والذي يتسبب بحرائق في الأشجار، وبفعل أقدام الجنود التي داست مساحات كبيرة من الخس وغيره من المزروعات في النقار.
قبل العام 2002 والبدء ببناء الجدار، كانت أيضا المواجهات تتركز في تلك المنطقة، التي اقتطع الاحتلال أجزاءً منها لصالح الجدار والاستيطان، واستشهد العديد من أهالي قلقيلية في هبات وانتفاضات سابقة عليها. وتصل قنابل الغاز التي يطلقها الاحتلال إلى بعد أكثر من كيلومتر حيث السوق المركزي للمدينة، ما يتسبب بحالات اختناق للسكان على طول المسافة بين نهاية النقار وحتى السوق المركزي والذي يقع في وسط المدينة.
هبة تُزين محيط الجامعات
جامعة القدس/ أبو ديس
تُغريك عن بعد، الأشجار الكثيفة والتلة العالية، منها تُرى القدس وقبة الصخرة الذهبية، حين تصل مداخلها، تجد أفعى تلتف حولها وتخنقها، إنه الجدار العنصري، الذي بني منذ العام 2004، ليفصل القدس عن محيطها، في أعلى بلدة أبو ديس شرق القدس، يقع حرم جامعة القدس، على مساحة 200 دونم، أربعة مداخل أهمها المدخل الشمالي، وهي البوابة الرئيسية لجامعة القدس، منها تبدأ المواجهة بين طلاب الجامعة وجنود الاحتلال، الذين سرعان ما يحولوا هواء الجامعة النقي والمشبع بالصفاء لكثرة الأشجار والخضرة في داخلها، إلى مكان ملوث وخانق، تشتد المواجهات، يُغلق مطعم كومارو ومطعم أبو عبيد وبروست الجامعة ومكتبة دار الفكر أبوابها، يقتحم الجنود الحرم الجامعي من البوابة الشمالية، يكسرونها، يكسرون أول كلية في وجههم، كلية العلوم، يتوزع الشبان ما بين النافورة والحديقة الأندلسية، يصدون الاقتحام بالحجارة، يخرج الجنود بعد أن يعيثوا فسادا، بقايا رصاص وقنابل صوت ومسيل للدموع وزجاج متكسر، تقابلها حجارة تفترش الأرض.
جامعة خضوري/ طولكرم
تلال صغيرة منبسطة، وخنادق جنود يتدربون على رمي الرصاص، أبراج عسكرية وأسلاك شائكة، كل هذا في محيط جامعة خضوري، التي تأسست كمدرسة زراعية في العام 1930، والواقعة في الجهة الغربية من مدينة طولكرم في شمال الضفة، على مساحة 360 دونم، وإطلالة على الساحل الفلسطيني، ومدينة أم الرشراش في أراضي 1948. على بعد أمتار من كلية الزراعة والمبنى الجديد لمكتبة الجامعة، يخرج الشبان إلى تلك المساحات من الأراضي المسيطر عليها لأغراض عسكرية كما يدعي الاحتلال، وتبدأ المواجهات، يطل الجنود من أعلى التلال، وفوهات الأبراج العسكرية، يطلقون النار على الشبان لا يملكون سوى الحجارة.
شيئا فشيئا تشتد المواجهات، يدفع الاحتلال بمزيد من القوات، جنود مشاة وجيبات عسكرية، يصل مدخل الجامعة، يُمطرها بقنابل الغاز السام والرصاص، يستدعي سيارة المياه العادمة في حال كانت المواجهة عنيفة جدا، يقتحم حرم خضوري، ملاحقا الشبان الذين لاحقوه بالحجارة في محيطها، يحولها إلى ساحة تنكيل وتخريب.
كل هذه الحجارة والمتاريس والدخان الأسود وبقايا الإطارات وحاويات القمامة، كل هذا الخراب زين المدن الفلسطينية برائحة الثورة الشعبية ورفض الاحتلال.