مدرسة قرطبة بين حاجز وبوابة
وفا- حمزة الحطاب
تقف الطفلة شهد ادعيس (12 عاما) على بعد خطوات قليلة من أربعة جنود إسرائيليين، يفصل بينهم سلك شائك ملقىً على امتداد الطريق، يمنع مرورها ووصولها لمدرستها "قرطبة" الواقعة بقلب البلدة القديمة بالخليل، إلا من خلال طريق ضيق بعرض متر واحد فقط، يحده ساتر حديدي طوله عشرة أمتار، يفضي إلى غرفة مغلقة يقف على مدخلها الآخر أربعة جنود آخرين.
لم يختلف المشهد على شهد منذ خمس سنوات، إذ اعتادت رؤية الجنود والأسلاك الشائكة والممر الحديدي والغرفة المغلقة، وما استجد وأجبرها على الوقوف أمام الحاجز الذي يحمل رقم (56) والاعتصام هناك مع بعض زملائها ومدرساتهم؛ هو إرغامهم على العبور من خلال تلك الغرفة المغلقة التي تحتوي على آلات تفتيش الكترونية، وهو ما يتنافى ما اتفاق سابق أبرم مع الارتباط الإسرائيلي يقضي بعبور طلبة قرطبة ومعلماتهم من جانب الغرفة وليس من خلالها.
تقول المعلمة آمنة دوفش: "من المعروف أننا نعبر الحاجز يومياً مرتين على أقل تقدير، ومرورنا عبر البوابات الالكترونية يسبب لنا الأمراض، وذلك من خلال الأشعة التي تسلط على أجسادنا من هذه الآلات. الجميع يعلم أن مرور السيدات الحوامل عبر هذه الآلات أمر خطير، وهذه البوابات الالكترونية تسبب على المدى البعيد أمراضا كالأورام السرطانية".
تقصّ دوفش كيف كانت وزميلاتها والطلاب يمرون إلى المدرسة من جانب الحاجز دون العبور من خلال بوابته الالكترونية، فيما يقوم الجنود بتفتيش الحقائب يدوياً، مبدية استغرابها من الدوافع التي تقف وراء نقض الإسرائيليين للاتفاق.
آمنة دوفش التي تدرس مادة الرياضيات، والتي انقطعت عن مئة وستين من طلابها، ذكرت بأنه لو توفر طريق بديل للوصول للمدرسة لسلكته، لكن وبما أنها لا تمتلك أي خيار آخر فإنها قررت أن تستمر في الاعتصام على الحاجز حتى تعود الأمور على ما كانت عليه في السابق.
وعلى مسمع من الجنود المتمركزين على الحاجز أضافت: "نحن لا نضر أي أحد ولا نفعل أي شيء. نمر بمحاذاة الجنود والمستوطنين المدججين بالسلاح ولا نشكل أي تهديد لهم، والتنكر للاتفاق يكشف عن رغبة في وصل البؤر الاستيطانية بالمنطقة ببعضها البعض، لذلك هم يريدون السيطرة على المدرسة، لكننا صامدون ولن نتركها أبداً".
طلبنا من شهد مرافقنا في "رحلةٍ" عبر الحاجز الالكتروني إلى مدرستها قرطبة، وبعد أن استأذنا المدرسات وافقت الصغيرة على أن تكون دليلنا، ولتسجل بذلك أول مرور لها عبر "الإجراءات العسكرية" الجديدة.
تقدمت شهد الصفوف، شقت تجمهر المعتصمين نحو الجنود الأربعة المتمركزين أمام الحاجز، واصلت خطواتها المثقلة بحقيبتها المدرسية المعلقة على كتفيها حتى وصلنا إلى البوابة الالكترونية، وهناك أرغمنا على الخضوع للتفتيش اليدوي من قبل جنود أربعة آخرين يقفون في الجانب الآخر من الغرفة الجاثم فيها الحاجز الالكتروني الذي أجبرنا على المرور من خلاله.
استمرت في المسير بجانبنا لمسافة 200 متر في شارع الشهداء للوصول إلى درج يقدر عرضه بمتر ونصف، يمثل مدخل الطلاب الوحيد للوصول لمدرستهم قرطبة، بعدها قطعنا مسافة 200 متر أخرى على طريق ترابية محفوفة بأشجار الزيتون حتى وصلنا إلى المدرسة.
استوقف شهد مشهد أبناء المستوطنين يلهون بالقرب من جنودٍ كُلّفوا بتأمين الحماية لهم بالقرب من بؤرة "بيت هداسا" الاستيطانية أو ما يعرف "بالدبويا" وسط مدينة الخليل، وبعد تنهيدة طويلة قالت: "هذه المنطقة كلها مستوطنين ويهود، وأنا أمر كل يوم من هنا لأصل للمدرسة، وفي كل مرى يوقفوننا ويفتشوننا. دائما نمر بجانبهم ونحن خائفون من كلابهم وأسلحتهم".
بقيت الحياة تدب داخل المدرسة رغم أن عشر مدرسات وعشرات الطلاب لم يتمكنوا من الانتظام فيها لرفضهم الخضوع للإجراءات الإسرائيلية الجديدة، فأخذت الآذنة دور معلمة الفن لتتقاسم مع خمس مدرسات أخريات مهام استمرار العملية الأكاديمية، من خلال دمج شعب الصف الواحد معا، وبذلك يتم ضمان بقاء الطلاب في مدرستهم المهددة بسيطرة الاحتلال عليها.
تقول نسرين عمرو مديرة مديرية التربية والتعليم في وسط الخليل: "منذ قرار إخضاع الجميع للتفتيش، قمنا بتجميع الطلاب والمعلمات على الحاجز وطلبنا منهم أن يقوموا بإعطاء الدروس للطلاب هناك، ولكن ولخوفنا من سيطرة جنود الاحتلال على المدرسة؛ قررنا استئناف الدراسة من قبل المدرسات اللاتي لا يعبرن خلال الحاجز، أي المعلمات والطلاب الذين يقطنون في محيط المدرسة، فهناك أهداف توسعية للبؤر الاستيطانية المحيطة، ونحن سنعمل على وقفها، ولن نسمح ولا بأي شكل كان بتعطيل التعليم داخل المدرسة".
وتضيف عمرو أن مدرسة قرطبة وبموجب اتفاقية موقعة عام 2005 مع الارتباط الإسرائيلي، تقرر أم يعبر طلابها من جانب البوابة دون إخضاعهم للتفتيش "الالكتروني" المضر، وتتسائل "لماذا عدل الجنود عن هذه الاتفاقية؟ وفي هذا الوقت بالتحديد؟ هذا يؤكد وجود أهداف للسيطرة على المدرسة".