تريدون معبراً أم كرامة؟- حسن سليم
تتقاطع قيادة حماس والناطقون باسمها، بسؤال للغزيين المقهورين، بتخييرهم بين فتح المعبر أو بين استمرار المقاومة، أو بين فتح المعبر أو الكرامة؟ فيما يتساءل نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس موسى أبو مرزوق في تغريدة على صفحته: "أي معبر تريدون استلامه، معبر بيت حانون أم معبر الكرامة أم أي معبر تقصدون؟ لقد نسيتم أن من يدير معبر رفح فلسطينيون، وليسوا قوة احتلال وأن معركتكم مع المحتلين الذين يسلبون سيادتكم على أرضنا".
هو ذات المضمون الذي يدير الظهر لمطالب عشرات الآلاف المنتظرين لفتح المعبر بغرض العلاج أو الالتحاق بالجامعات، والعمل، ويحشر المقهورين في خيارات مغلوطة، لا منطق بطرحها، فلا تعارض بين فتح المعبر بعد تسليمه للشرعية الفلسطينية وبين الكرامة التي هي حق وليست امتيازا للبعض دون الآخر، وتسهيلا يحصل عليه البعض بتنقلهم ويسهل رغد عيشهم، دون غيرهم، فلماذا لا يكون معبراً للكرامة، وليس الاختيار بين اي منهما؟
بل كان اولى ان يعلم السائلون، ان فزاعة المقاومة لم تعد موجودة، وأن الكرامة يتم امتهانها يوميا بسياسة الاذلال والتجويع والحصار، وهذا ما دفع الغزيين ان يطالبوا بفتح المعبر دون مساومتهم على وطنيتهم، وحشرهم في خيارات تجعلهم بمجرد النقاش لها، في دائرة الشبهة.
الهاشتاغ الذي أصبح الأوسع انتشاراً على شبكات التواصل الاجتماعي (#سلموا_المعبر)، جاء بعد قرف الغزيين من استمرار حالة الإذلال والاستغلال لهم، في ظل عدم قدرتهم على الاستمرار بتلبية طلبات "الخاوة"، هو بمثابة رسالة ما زالت سلمية لسلطة حماس أن تتخلى عن وهم إمكانية استمرار حكمها لمن يرفضونهم، وآخرها كان استقرار سعر التنسيق لمن هو مضطر للسفر، بأن يدفع مبلغ 4 آلاف دولار عن الشخص الواحد، كي يتم تسهيل سفره، بغض النظر إن كان الدفع سيؤول لموظف فاسد، أو لسلطة أفلست تبحث عن مداخيل من جيوب المضطرين.
ولكن استمرار تعنت سلطة حماس بإبقائها متحكمة فيمن يخرج، إنما يدلل بشكل واضح على عدم اكتراثها بمعاناة الأهل في غزة، ونكوصا بما وعدتهم به، وهي تقدمهم قرابيناً لحرب لم يختاروا الدخول فيها، ودفعوا ثمنا باهظا فاق الألفي شهيد وأكثر من عشرة الاف جريح، وتدمير أكثر من عشرة الاف منزل، فيما كان الوعد من طرف واحد بان غزة ستكون سنغافورة العرب، وسيتم فتح المعابر وإعادة تشغيل للمطار وبناء الميناء بعد النصر المؤزر الذي سيتحقق.
اليوم لا شيء على الأرض تحقق، سوى بقاء الركام، واستمرار الآلاف في العراء، أو عرضة للسيول تتقاذفهم، فحتى الاسمنت الذي يتم توريده للقطاع يتم الاستيلاء عليه أحيانا بحجة حاجتهم إليه لترميم الأنفاق، التي تمثل الرئة الأهم لسلطة حماس، وكان من المهم الانتباه لما نشره إسماعيل هنية على صفحته الشخصية في الثاني من آب العام الماضي، من تغريدة مفادها "ما عدنا نحتاج معبر رفح لكي يفتحوه لنا، فقد فتح الله لنا معراجا الى السماء"، وفي ذلك تأكيد على استمرار العبث بوعي الجمهور والتلاعب بخطابات غيبية، لبيعهم الهواء، ويؤكد واقعيا على أن المعابر لم تكن يوما منفذاً لدخولهم وخروجهم، بل كانت وما زالت منفذا للتكسب من جيوب الغلابة المضطرين للتنقل.
فيما معبر رفح الذي يمثل الرئة الرئيسية لأهلنا في القطاع، للخروج للعالم ومباشرة أعمالهم وحياتهم، يشكل فتحه ضرورة قصوى، فان التعامل بشأنه لا يدلل على التقدير لحجم المعاناة، وهم يحملون المسؤولية للقيادة المصرية باغلاقه، في وقت أعلنت القيادة المصرية غير مرة وعلى لسان رئيسها عبد الفتاح السيسي مؤخرا، "بأن عودة السلطة الوطنية لقطاع غزة وتوليها الإشراف على المعابر سيؤدي إلى نتائج إيجابية على انتظام فتح المعابر مع غزة"، مما يطرح السؤال عمّا يمنعها من الموافقة.
المستغرب هو استمرار مطالبة حماس بأن تكون شريكة في إدارة المعبر، الأمر الذي يُعتبر سابقة، ليس في فلسطين فحسب، بل في العالم اجمع، بان تشارك حركة سياسية الدولة إشرافها على الحدود، (سواء ممن عينتهم من طرف واحد، او ممن ينتمون لها)، وان تتدخل في إدارة الدولة لمؤسساتها، وهي تعلم أن دور الحركات السياسية وهي خارج الحكومة ينحصر بممارسة المعارضة، ولها أن تستقطب أصوات الجمهور بناء على ما تطرح من برامج وخطط، وما تدعي من أخطاء تمارسها الحكومة، لا أن تتدخل مباشرة بعمل الحكومة، وتنظم مؤسساتها، فذلك عمل حكومي بحت، ومن اختصاص السلطة التنفيذية ولا شأن للأحزاب والفصائل به، وحسنا لو التزمت حماس بما وقعت عليه في الشاطئ وقبله في القاهرة، وسلمت حكومة الوفاق الوطني زمام الأمور في القطاع، ولم تمنعها من ممارسة عملها لتخفف من المعاناة المتكدسة، لكن ما حدث أن صدق هنية وعده حين قال: "نغادر الحكومة ولا نغادر الحكم".