الاحتلال يخاف الأحلام والأقلام والكعك الفلسطيني
يامن نوباني
لا غرابة في أن يقوم الاحتلال الإسرائيلي، الذي اعتقل أحد الشبان من قرى جنوب نابلس أواخر ثمانينيات القرن الماضي، بتهمة أنه حلم بتنفيذ عملية ضد الاحتلال، ومكث في السجن ستة أشهر، أن يقوم باعتقال الفتى محمد الزغل (14 عاما) من القدس، بذريعة حيازته مسطرة خشبية مكسورة، مُدعيا أنه ينوي تنفيذ عملية طعن بها! وبعدها بيومين يعتقل الفتاة تمارا أبو لبن من القدس بعد أن نشرت على صفحتها على 'فيس بوك' كلمة 'سامحوني'.
جنود الاحتلال الذين اقتحموا منزل محمد الجعبري في الخليل لاعتقال ابنه يوسف البالغ من العمر ثلاث سنوات، بدعوى إلقاء الحجارة على الجنود.. الجنود الذين صادروا سلالم قرب جدار الضم والتوسع العنصري في بلدة الرام، استخدمها الشبان للوصول إلى المسجد الأقصى في رمضان الفائت، هم ذات الجنود الذين سحبوا قبل أيام بمخيم عايدة في بيت لحم، حاويات القمامة، والذين 'اعتقلوا' إطارات المركبات على المدخل الشمالي لمدينة البيرة، كي لا يشعلها الشبان أمام آلياتهم العسكرية، وهم الذين اعتقلوا وكسروا كاميرات الصحفيين في بيت فوريك نهاية تشرين الأول الماضي، وما زالوا يمارسون اعتقال أجهزة الحاسوب والهواتف من منازل المواطنين، ليصل بهم الحد إلى اعتقال كشاف 'ضوء' ثمنه شيقل واحد في الخليل بحجة أنه عتاد عسكري! الجنود الذين يعتقلون مواطنين معاقين حركيا، آخرهم معتز عبيدو من الخليل، ولم تسلم من مداهماتهم صور الشهداء، والأعلام والرايات، وسماعات النداء، وبنادق الأطفال البلاستيكية.
الجيش الذي صادر مضخات مياه المزارعين في الأغوار، وتراكتورات (جرارات) زراعية، والشرطة التي تُغرّم في القدس على اندلاق القهوة في باب العامود، ورمي قشور المكسرات، واعتقال أوتاد الخيام في خربة مكحول.
الجيش الذي يعتقل بسطات التجار البسطاء في القدس والخليل، ويستفزه الكعك بالسمسم على درجات باب العامود، فيهاجم بسطة زكي الصباح ويعتدي عليها ويصادرها، ويُفرق تجمعات الشبان والأصدقاء للتسلية والمرح.
هي دولة الخرافة، والجيش الذي يقهره نفس أصحاب الأرض، تقهره هُنا أسماء الناس، ومناسباتهم الاجتماعية، المحتل الذي يخاف من الإنجاب! لأنه لا يريد للشعب الفلسطيني أن يتكاثر فيصبح أكبر منه، محذرا دوما من النمو الديمغرافي للفلسطينيين.
الاحتلال الذي اعتقل أكثر من 800 ألف فلسطيني منذ العام 1967، ويحتجز أكثر من 286 جثمانا لشهداء، يعترف بـ119 منهم فقط، بينما هناك 65 مفقودا، كما أن الاحتلال ما زال يحتجز منذ بداية الهبة الشعبية مطلع تشرين الأول الماضي 49 جثمانا لشهداء، يُخرب ويصادر أغطية ومواد تموينية من جمعيات ومراكز الأيتام والمحتاجين، ويغلق إذاعات ويهدد أخرى، محاولا إسكات صوت الحق، لكنه يفشل في كل خطوة اتخذها منذ عام 1948 من أن يُقنع فلسطينا واحدا من أن ينسى ممارسة حياته بشكل اعتيادي، فيزرع ويقلع ويبذر ويحصد، ويتعلم ويبني ويحلم وينجب، ويموت فوق أرضه بكرامة، حتى أولئك الذين خرجوا ولم يعودوا، والذين لم يُولدوا منذ الأصل هنا، لم ينجح الاحتلال في جعلهم يتأقلمون في المنافي، يحملون كل صباح وطنهم في قلوبهم ويذهبون لأعمالهم وشؤونهم، ويأملون بفجر الحرية والتحرر، ينامون فوق وسائد طرزوا فوقها بدموعهم وقناعاتهم وآمالهم: 'عائدون'.