غزة: أسيرات محررات يجدن ضالتهن في 'السيكودراما'
في مخيم جباليا للاجئين الفلسطينيين شمال قطاع غزة، وجدت مجموعة من الأسيرات المحررات مكانا لاستعادة ذكريات الماضي في أسر السجان الإسرائيلي نهاية القرن الماضي.
هؤلاء الأسيرات المحررات، جمعتهن التجربة النضالية والسجن معا في فترة السبعينيات، تعاهدن على توطيد علاقاتهن الإنسانية طيلة حياتهن، فشكلن دائرة مغلقة لأفراحهن وأتراحهن، لا أحد يتمكن من خارج الدائرة التطفل على هذه الخصوصية، واقتحام عالمهن الخاص.
يجتمعن فقط أسبوعيا في مركز صحة جباليا، كما يقلن، ويتمكن من خلال المساحات الآمنة، زاوية القراءة وتعزيز الذات، أن يجمعن شتاتهن، وغربتهن لتعطي هذه المساحة، فرصة لهن للبوح بالنذر اليسير من تجربتهن الاعتقالية، ومعاناتهن المجتمعية، فيما بعد التحرر الشكلي.
ويتابعن خلال جلستهن: إنهن تحررن فيزيائيا من ظلمة السجن والسجان، ليواجهن سجنا آخر، لم يكن بأحسن حال من السجن الأول، لأنه فرض عليهن من قبل مجتمعهن، الذي لم ينصفهن ولو بالحد الأدنى، عانين من وصمة السجن كونهن إناثا في مجتمع لا يزال ينظر للمرأة نظرة تشكيك، وتنكر رسمي ومؤسساتي لحقوقهن المطلبية كما يقلن'.
هناك في الجلسة تجد منهن من انحنى ظهرها بفعل عامل الزمن، ومنهن من أصبحت تتكئ على عكاز يساعدها على نقل قدميها، ومنهن من غزا الشيب شعرها، ولكن رغم ذلك تجد أن حب الحياة والإصرار هو العامل المشترك بينهن، ما زلن يشاركن في الفعاليات الوطنية والمجتمعية، غير آبهات باعتلال ووهن أجسادهن.
فهذه فيروز عرفة الأسيرة التي لم تتحرر بعد وفق وصفها، وتلك لطفية اشتوي، وهنا هند أبو عمشة، وهناك كريمة الشرافي وغيرهن، تحلقن حول دائرتهن المغلقة، يجتمعن أسبوعيا في مركز صحة جباليا، يتبادلن أطراف الحديث، الذي لا يخلو من ذكريات الماضي، وألم الحاضر وخشية المستقبل، حاولن بقدر يسير أن يكشفهن ما في خبايا نفوسهن من أفراح وأتراح وفق ما وصفته 'فيروز عرفة'.
تقول عرفة: 'التفريغ النفسي وتقنية 'السيكودراما' التي نفذتها الأخصائية سها موسى، ساهمت بشكل كبير في التخفيف عما اختلج في دواخلنا من هموم، ضحكنا وبكينا معا وكأننا جسد واحد وروح واحدة، بل نحن كذلك، كما كنا داخل معتقلنا، أفصحنا عن بعض مآسينا بعد التحرر، وصدمتنا بالمجتمع، الذي رسمنا له صورة أجمل مما رأيناه على أرض الواقع'.
وتضيف بنبرة حسرة وتأسٍ على حال الأسيرات اللواتي لم يحظين بأدنى حقوقهن، 'منهن لم تمتلك ثمن وصفة طبية، وأخرى لا معيل لها، وثالثة تعاني من ظروف اجتماعية صعبة، والقائمة تطول في مسلسل الإهمال المؤسساتي والمجتمعي لقضيتنا'.
وتتابع: نحاول من خلال هذه المساحة نشكل شبكة أمان اجتماعي صغيرة، كي نبقى على الأمل داخلنا، ونواصل دربنا وندعم بعضنا، كي نستطيع أن نواجه نوائب الدهر سوية كبنيان مرصوص'.
وتقول مديرة مركز صحة جباليا مريم شقورة: 'هذه الشريحة المناضلة من حقها أن تحظي باهتمام مؤسساتي، لذا فإن المركز سيقدم لهن خدمات نفسية صحية اجتماعية كأدنى حقوق لهن في المجتمع بعد التضحيات التي قدمنها وأفنين فيها زهرات شبابهن من أجل الوطن'.