غزة تدق قفل معبر رفح
يامن نوباني
مرة واحدة انفجر الناس في غزة مطالبين بتسليم معبر رفح البري للسلطة الفلسطينية، مرضى وطلبة جامعيون وتجار وعائلات ومسافرون لشؤون خاصة، مُثيرين قضية تعتبر الأولوية الثانية بعد ملف إعادة إعمار غزة، حراك شعبي يتوسع يوما بعد آخر، من كافة الفئات العمرية ومختلف الألوان السياسية، مُحذرا من النزول إلى الشوارع بفعاليات أكبر في المرحلة المقبلة في حال لم يتم تسليم المعبر، وحل قضية العالقين.
الغزيون الذين عانوا الأمرّين بفعل إغلاق المعبر منذ سنوات، أطلقوا هاشتاغ '# سلّموا _ المعبر'، فكان الناطق الرسمي والصوت الأقوى للمطالبات بحل مشكلة معبر رفح البري. نشطاء وشبان وسياسيون ومتضررون وعالقون، نشروا عبر صفحات التواصل الاجتماعي الهاشتاغ، مع قصص المعاناة والانتظار على المعبر، خاصة حالات الوفيات وضياع المستقبل لمئات الطلبة الذين يتلقون تعليمهم في الخارج.
الكاتب أكرم صوراني من غزة، يرى أن المسألة تتجاوز قضية فتح معبر رفح على أهميتها وضرورتها وضغط اللحظة ارتباطا بمعاناة الناس من المرضى والطلبة ومن يرغب بالسفر لقضاء مصالحه إن ما وراء سطور هاشتاج سلموا_ المعبر أعمق من كون المسألة متعلقة بفتح بوابة رفح، بقدر ما هي دعوة وأمل وأمنية وحلم بفتح غزة وانفتاحها على العالم ضمن سياق تواصلها مع الضفة الغربية بما فيها القدس المحتلة.. هاشتاج سلّموا المعبر هو قشرة المشكلة وجزء من تجليات الأزمة والمأزق الفلسطيني الذي أوصلنا إليه الانقسام ورموزه هو دعوة صريحة لهاشتاج أكبر يقول للإخوة في حماس سلّموا الأمانة عودوا لرشدكم الوطني عودوا للشعب مصدر السلطات الذي منحكم الجمل عام 2006 فركبتموه بما حمل، والمحصلة عشر سنوات عجاف دون أفق ودون أمل.. وأكتفي في هذا السياق بالتأكيد على ما تقوله حماس في أدبياتها وميثاقها 'على عناصر حركة المقاومة الإسلامية أن ينظروا إلى مصالح الجماهير نظرتهم إلى مصالحهم الخاصة، وعليهم أن يحُولوا دون التلاعب بكل ما يؤثر في مستقبل الأجيال أو يعود على مجتمعهم بالخسارة. على عناصر حركة المقاومة أن يتبنـوا مطالـب الجماهيــر'.
الشاب أحمد بعلوشة من غزة، قال: واضح أن هناك إجماع شعبي على ضرورة خروج مليوني أسير يقبعون في سجن قطاع غزة الكبير الذي أصفه دائماً بأكبر سجن في العالم، حيث لا يمكن تصور أن يتم وضعك في هذا المحك وفي هذه الحالة التي قصمت ظهور أبناء غزة وأوقفت معالم الحياة في وجوههم. نحن جميعاً نرى ضرورة في تسليم المعابر ليس لأننا نتبع لأحد، ولسنا لأننا نقف مع طرف على حساب آخر، وإنما جميعنا نبحث عن المصلحة الشعبية التي تصب في إخراج الفلسطينيين من هذا المأزق الذي يُضاف إلى مجموعة المصائب الواقعة على كاهلهم. انطلاق حملات المطالبة بتسليم المعبر لم يتبناها أحد ولا أرى أنه يجب أن يتبناها أحد لأنّ الحالة غالباً ما تنفجر وحدها حين يشعر الجميع بنفس تفاصيل الحالة وأثرها على الجماعة.
لم تقتصر المطالبات بحل مشكلة معبر رفح البري على من هم داخل غزة، بل انطلقت إلى خارجه، حتى وصلت الدول الأوروبية، وبشكل خاص لدى الغزيين هناك، الذين لم تباعد المسافات والشؤون اليومية بينهم وبين الهم الذي تركوه خلفهم يتربص بالأهل والأصدقاء. يقول الشاب رامي خريس من غزة والمقيم في بريطانيا، مُعظم الذين ينبرون للدفاع عن 'حماس' في الجدل الدائر اليوم حول تسليم معبر رفح يستحضرون وبلا أدنى حسّ نقدي مقولة مفادها أنّ هذه الخطوة ستعني في النهاية تسليم غزّة لأعدائها وتدفيع مقاومتها الثمن. لكن هؤلاء في المقابل لا يُمعنون التفكير في الثمن الفادح الذي رتّبه حكم 'حماس' لغزّة على مشروع المقاومة ذاته. فخلال السنوات الماضية كان يُمكن رؤية حالة انفصامٍ حمساوية واضحة: فيما كانت الجهود الكبيرة تُبذل لبناء جهازٍ عسكري احترافي يستطيع تكييف موارده المحدودة على النحو الأمثل وينجح في معركته الأولى الكبيرة في فرض حصارٍ جوّي على إسرائيل ويتمكّن من صيد جنود نخبتها في مواقعهم وراء الحدود، كانت تجري في المقابل عمليّة موازية يتم فيها بناء سلطة وشبكة مصالح ممتدّة يتجمّع حولها أعضاء الطائفة الحمساويّة أصبح همّها المركزيّ مع الوقت جمع المال من خلال جباية الضرائب ووضع اليد على الأراضي والانخراط في مشروعات 'البزنس' المتنوّعة بما فيها بناء المُنتجعات السياحيّة والشاليهات البحريّة والمؤسّسات التعليمية المضروبة ومقاولات مشاريع إعادة الإعمار وصولا إلى شبكات السمسرة التي كشفت أزمة المعبر أنها تستغل مواقعها ونفوذها لتحصيل مبالغ طائلة لتسهيل عبور أشخاص بعينهم من المعبر.
وأضاف: إذا كان الناس في التسعينيات يستحضرون 'حماس' من خلال صور الشهداء، فإنّهم يستحضرونها اليوم بسلسلة من صور التجار ورجال الأعمال وأصحاب الامتيازات ورجال الشرطة المُتجهمين على الدوام والمسؤولين الذين تكشف جهالة وعنجهية تصريحاتهم عن البون الشاسع الذي قطعته 'حماس' بين ما كانته وما أصبحت عليه اليوم. لا يكفي أن تبني جهازا عسكريّا مقاوما وأن ترفع شعارات المقاومة دون أن تُوجد على الأرض شروط مجتمع مُقاوم أيضا. وحتّى تُوجد مثل هذه الشروط وتحديدا في حالة حصار شديدة كالتي تعيشها غزة هناك حاجة لتبنّي سياسات اكتفاء ذاتي وتحقيق عدالة في توزيع الموارد وترشيد أنماط الاستهلاك غير المُبرّر (بما فيها تشييد المساجد الباذخة) وبناء نظام صحّي فعال ومتاح للجميع وخلق أشكال من التضامن الأهلي القائم على مشاركة الناس في إدارة شؤون حياتهم. لم تفعل 'حماس' أيّا من هذا وبدلا من ذلك زرعت سياستها المزيد من عوامل الاحتقان والتوتر الاجتماعيين وأثقلت من الكُلفة الجسيمة أصلا للحصار والحرب.
سياسياً، وفي أكثر من مناسبة طالبت السلطة الوطنية حركة 'حماس' في غزة بتسليم المعبر الى حكومة الوفاق الوطني، من أجل تسهيل أمور الناس الحياتية في القطاع، وطالب عضو اللجنة المركزية لحركة 'فتح'، مسؤول ملف المصالحة الفلسطينية عزام الأحمد حركة 'حماس' بتسليم معبر رفح إلى الحكومة لتتحمل مسؤولية إدارة المعبر بشكل دائم وحل مشكلة المواطنين المرضى والطلبة وأصحاب الإقامات.
وقال الأحمد خلال مشاركته في ندوة سياسية بعنوان 'المصالحة الفلسطينية وآخر التطورات السياسية على الساحة الفلسطينية'، في المركز الثقافي العربي في بروكسل، إن 'حماس' هي التي تمنع حكومة الوحدة الوطنية من تنفيذ المهام المتفق عليها.
وأضاف أن حركه حماس غير مقتنعة بإنهاء الانقسام رغم توفير حكومة الوحدة كافة الالتزامات المالية بحق قطاع غزة، مشيرا إلى أن الرئيس محمود عباس مصرّ على ترتيب أوضاع منظمة التحرير وعقد جلسة انتخابات للمجلس الوطني تشمل جميع الأطياف السياسية.
بدوره، المتحدث باسم حركة فتح أحمد عساف، قال: 'إن عصابة حماس التي انقلبت على الشرعية الوطنية في قطاع غزة عام 2007، والتي تخطف أهلنا هناك كرهائن، هي المسؤولة عن إغلاق معبر رفح، والمتسبب الرئيسي في معاناة أبناء شعبنا في القطاع الصابر الصامد'.
وتساءل عساف: لماذا لم يغلق معبر رفح عندما كانت السلطة الوطنية الشرعية تديره قبل انقلاب حركة حماس على هذه الشرعية؟ لماذا لم توافق حماس على تسليم المعبر للجنة الخاصة التي شكلتها حكومة الوفاق الوطني؟ أم أن هذه العصابة لا تفكر إلا بمصالحها، ولا تهتم من قريب أو بعيد بمعاناة الشعب الفلسطيني؟ منوها إلى أن حماس فشلت فشلاً ذريعاً في إدارة قطاع غزة، وعليها أن تتنحى وتسلمه إلى الحكومة الشرعية، حكومة الوفاق الوطني، لتتحمل مسؤولياتها هناك.
ويجمع الغزيين على أن تسليم معبر رفح البري للسلطة الوطنية، هو حق للناس ومطلب جماهيري، سيخفف معاناتهم التي يفرضها الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة منذ عشر سنوات، تحمّل فيها الغزيون ثلاثة حروب، إضافة إلى المناوشات بين فترة وأخرى، والتي استشهد خلالها نحو 4 آلاف مواطن، وهدمت عشرات آلاف البيوت، هذا عدا عن النقص في الأدوية ومواد البناء والغذاء ومشتقات البترول، وأزمة الكهرباء التي تعمل بحسب جداول تحددها الطاقة في غزة، بحيث يقضي المواطن الغزي أكثر من نصف يومه دون كهرباء.