شهداء محتجزون حتى إشعار آخر
دعاء زاهدة
أن تحمل ابنها 9 أشهر، وتتحمل آلام المخاض، ليكبر فلذة الكبد فتوهبه قلبها، وتسأل ربها أن يرسل له ملائكة تحرسه وتحميه، أن تتمتم الأم آيات الحفظ عند خروج ابنها كل يوم، أن تفترش سجاده الصلاة لتسأل له التوفيق والهداية، ولتحلم به يحمل شهادة تخرجه، وتتخيل باب المنزل قد فتح على مصراعيه فرحا بأول راتب له لقاء عمله، أن تخطب له وتزفه عريسا وترى ابنه الأول، كلها أحلام لن ترى النور، فالابن الغالي رحل في رمشة عين، والعين لم تودعه حتى الآن.
خيمة على بابها نعش ملفوف بعلم فلسطيني موشح بكوفية، وعيون تراقب الأيدي التي تتلمس النعش لعلها تشعر بجسد ابنها مسجى أمامها، شهيد تلو شهيد، رحلوا وتركوا حسرة الفراق في قلوب الأحبة، خرجت أرواحهم للأعالي، وبقيت أجسادهم محتجزة عند الجانب الإسرائيلي حتى إشعار آخر.
وقال بسام سدر والد الشهيد باسل: 'جاءتنا فكرة تنظيم خيمة اعتصام دائمة أمام مقر الصليب الأحمر لنوصل صوتنا لأكبر عدد ممكن من العالم، ولنقدم مناشدات للمؤسسات الدولية ومؤسسات حقوق الإنسان، وهي فكرة ذاتية وعفوية خرجت من ذوي الشهداء الذين تحتجز حكومة الاحتلال أبناءهم قلنا فيها (بدنا ولادنا)'.
وأضاف سدر: 'مر على استشهاد ابني أكثر 55 يوما، ولا أشعر أن هناك وعودات صادقة أو أفقا قريبا لتسلم جثمانه، وهذا شل حياتنا، وجعل هاجسنا الوحيد ينحصر في متى سيتم تسليمهم أو ما هي آخر الأخبار حول توقعات التسليم، والدة الشهيد وجدته وجميع أفراد المنزل ومحبيه لن تجف دموععهم حتى نستطيع أن نواري جثمان باسل الثرى وفق أصول الشريعة الإسلامية'.
الموت يبقى موتا وإن اختلفت طرقة ومسمياته، فذلك الجسد الذي كان يتحرك أمامك باعثا روحا في كل من حوله، اختفى ولم يبق منه سوى ذكرى، ولعائلات الشهداء الذين في ثلاجات الموتى فإن دقائق الأيام وثوانيها تمر على قلوب الأهالي أصعب من لحظة الفراق ذاتها.
من جانبه قال طارق الشريف شقيق الشهيد مالك: 'مجرد تخيل أن ابنك أو أخاك موجود في ثلاجات للموتى تشعر بالوجع، مضى على استشهاد شقيقي 32 يوما، وسنبقى متواجدين في الخيمة حتى استلام جثمانه وجثامين جميع الشهداء، إيد على إيد رحمة، وإيد بإيد بتشد، نحن مطلبنا شعبي، ومن حقنا أن نعرف مصير أبنائنا، الفراق صعب لكن الإنسان عندما يدفن العزيز على قبله تحت التراب برتاح'.
الشهداء الذين وحدوا كل الوطن، واستطاعوا أن يلموا شمل أهالي شهداء القدس والخليل معا، لتكون مطالب الأهالي بعدم الرضوخ لشروط الاحتلال بالدفن ليلا، وباقتصار التشييع على أعداد قليلة لا تتجاوز العشرات.
والد الشهيد بهاء عليان حضر ورائحة القدس عالقة في ثيابه، وقف الى جانب أهالي شهداء الخليل، شد على ايديهم مواسيا نفسه بهم.
يقول المحامي محمد عليان والد الشهيد بهاء: 'الاحتلال الإسرائيلي يدير ظهره لكل هذه التحركات وهذا لن يثنينا، هذا الضغط لا بد أن يولد نتيجة على ارض الواقع حتى لو على المدى البعيد، نحن نحتاج الى قوة أكبر واحتضان اكبر، وإن هناك تجاوبا شعبيا جميلا ودافئا طغى على برد الثلاجات'.
وكانت حكومة الاحتلال وباجتماع مجلس الوزراء الإسرائيلي المصغر، وافقت على اقتراح وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي غلعاد اردان، بعدم تسليم جثامين الشهداء الذين تدعي تنفيذهم لعمليات ضد الجنود أو المستوطنين الى ذويهم، ملوحة بنيتها دفنهم بمقابر الأرقام.
احتجاز جثامين الشهداء دفع نادي الأسير الى حشد المجتمع المحلي من أجل توحيد أهالي محافظة الخليل في فعاليه رسمية من أجل مطالبتهم باسترداد جثامين أبنائهم، يقول أمجد النجار مدير نادي الأسير في محافظة الخليل: 'تأتي فعالياتنا من أجل تفعيل قضية الجثامين المحتجزة في الثلاجات، ومن أجل تسليط الضوء على هذه القضية، رسالتنا هي أن قضيه احتجاز الجثامين ليست قضية قانونية فقط، بل اصبحت قضية سياسية بحتة، فالسياسة الإسرائيلية باحتجاز الجثامين تمارس عملية عقاب جماعي'.
وأضاف: 'المطلوب التحرك على المستوى الشعبي والعربي، وتحريك سفارات فلسطين في العالم من أجل الضغط على حكومة الاحتلال من أجل نيل مطالبنا'.
وتحتجز حكومة الاحتلال 51 جثمانا لشهداء قتلهم جيشها منذ بداية أكتوبر الماضي، 18 منهم من أبناء محافظة الخليل.