شارع الشهداء وتل إرميدة في الخليل.. أصل الحكاية
دعاء زاهدة
في الخليل، في نصفها المغلق، مظاهر الحياة اختفت، أشباح تسير على أرصفة الشوارع، محلات تجارية غطى أقفال أبوابها الصدأ، ونوافذ المنازل تجللها قضبان حديدية لحماية ساكنيها من حجر قد يخطئ الزجاج فيصيب رأس أحدهم، عجلات السيارات العسكرية الإسرائيلية تصدر ضجيجاً 'يغتصب عذرية' الهدوء لشوارع عزلتها عن الحياة أسلحة ورشاشات على أكتاف جنود أو مستوطنين لا ترى في عيون من يحملها إلا كيف يكون الموت حقداً أو غضباً أو بلا سبب.
ووفق الروايات، فقد اندلعت عام 1948 معركة 'كفار عصيون' بين بيت لحم والخليل بين الجيوش العربية وأهالي فلسطين من جهة ومجموعة صهيونية منظمة أنشئت مستعمرة على منطقة مطلة على الطريق الرئيسي من جهة أخرى، لتكون حصيلة المعركة سقوط ما بين 100 الى 120 شهيدا.
ولم يستطع الجميع التعرف على أبنائهم، فيواريهم أهالي الخليل الثرى في قطعة أرض مقابل موقف الباصات القديم، ليعرف فيما بعد باسم شارع الشهداء.
لونان لا ثالث لهما خيما على مدينة الخليل منذ بداية 'الهبة الشعبية' في شهر تشرين الأول الماضي، الأحمر لون دماء الشهداء الذين خضبت المدينة المكلومة شوارعها بها، وأسود حزين في عيون كل من فارقهم.
بداية سلسلة الموت كانت في 22 أيلول2015 حين استشهدت الفتاة هديل صلاح الهشلمون (18 عاما)، متأثرة بالجروح التي أصيبت بها جراء إطلاق قوات الاحتلال الإسرائيلي الرصاص عليها أثناء عبورها الحاجز العسكري المقام على مدخل شارع الشهداء.
وتوالت جرائم الإعدامات الميدانية عقب هذه الجريمة، ففي السابع عشر من شهر تشرين الأول، استيقظ أهالي شارع الشهداء على صوت رصاصات أطلقها مستوطن صوب الشاب فضل محمد القواسمي (18 سنة)، ولم تلبث ساعات الليل أن أطلت ليعلن خبر استشهاد الطفل طارق زياد النتشة (17عاما)، بعد أن أطلق جندي اسرائيلي أعيرة حيه عليه على حاجز شارع الشهداء في وسط المدينة .
وفي 21 من الشهر ذاته وتحديدا مساء يوم الأربعاء، أعلنت الطواقم الطبية في مستشفى الخليل الحكومي عن استشهاد هاشم يونس العزة( 54 سنة) القاطن بالقرب من مستوطنة 'رمات يشاي' القريبة من شارع الشهداء وسط الخليل، إثر استنشاقه الغاز السام الذي أطلقته قوات الاحتلال إثر المواجهات المندلعة في منطقة باب الزاوية.
وتوالت جرائم الإعدام الاحتلالية في شارع الشهداء، ففي ساعات متأخرة من ليله 27 تشرين الأول أطلق جنود الاحتلال 10 رصاصات على الشاب همام السعيد (23 سنة)، وتركوه ينزف، وركلوه بأقدامهم، ومنعوا طواقم الإسعاف من الاقتراب منه، حتى فارق الحياة.
ساعات قليلة فصلت أهالي المدينة عن تلك الواقعة ليعلوا سريعا بنبأ استشهاد الشاب اسلام اعبيدو (23 عاما) برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي، في تل ارميدة وسط مدينة الخليل بتايوم 28 تشرين الأول، ليقدم مستوطن في اليوم التالي على اغتيال الشاب فاروق سدر (19 عاما) في المنطقة ذاتها.
هدوء مشوب بحذر طغى على قاطني شارع الشهداء وتل إرميدة الذين باتوا يخشون على أبنائهم من أن يقع عليهم الاختيار صدفة ليكونوا هدفاً لعملية اغتيال جديدة، بتزامن مع إجراءات مشددة مارستها سلطة الاحتلال تمثلت في منع غير السكان من الوصول إلى الشارعين، إضافة إلى تنفيذ تفتيش مفاجئ للمنازل.
بداية شهر كانون الأول عاش أهالي الخليل فاجعة جديدة، تمثلت في إعدام قوات الاحتلال أبناء العم طاهر فنون ( 19 سنة) والطفل مصطفى فنون (16 سنة) في منطقة تل ارميدة وليكون مصيرهما كمن سبقهم من الشهداء، فيوضعا في أكياس سوداء ومن ثم إلى ثلاجات الموتى الإسرائيلية.
كما كانت الخليل في اليوم التاسع من كانون الأول مع استشهاد الشاب عبد الرحمن مسودة (21 عاما) بعد اصابته برصاصات عدة أطلقها عليه جنود الاحتلال ومستوطنون بالقرب من مستوطنة 'بيت هداسا' في شارع الشهداء، بعد أن تركوه ينزف على الأرض ومنعوا إسعافه، إلى أن فارق الحياة.
إن معاناة أهالي المنطقة لا تقتصر على الإعدامات، فسياسات الاحتلال يراد من خلالها فرض المزيد من القيود على سكان الخليل الأصليين، في هذا السياق أحدث الاحتلال تغييرات في حركة عبور المواطنين من وإلى البلدة القديمة.
فمنذ يوم الاثنين الماضي لم تعد اليافطة البيضاء المخطوطة باللون الأحمر والمعلقة على حاجز 'الكونتينر' على مدخل شارع الشهداء والمكتوب عليها باللغة العبرية والعربية الركيكة (ممر المشاة قف) تصلح، فبأمر عسكري تحولت منطقة شارع الشهداء إلى مغلقة بشكل كامل بوجه المواطنين بنية توسعة الحاجز العسكري وتحصينه، لتتواصل معاناة أهالي الخليل وبلدتها القديمة.