نشأت عصفور.. يغادر مبتسما
يامن نوباني
على بعد مائة متر استقبلت أم نشأت جثمان نجلها الشهيد، فلم تستطع انتظار وصوله عتبة المنزل، في طريق ترابية طويلة تصل بيته، وكأنها تسابق الموت الذي خطف ولدها من أحضان أطفاله الثلاثة.
سارت أم الشهيد أمام الجثمان، إلى داخل البيت، حيث خمس دقائق لا تكفي للبكاء والوداع الأخير، ودعته القريبات، قبل أن يُطلب من حاملي الجثمان إنزاله على درجات البيت لتعود أمه وشقيقاته وزوجته لرؤيته آخر مرة، وقف شقيقه فوق جسده وأحنى رأسه ليلتصق بخده الأيمن، قبل أن يُنادي زوجة الشهيد لإلقاء النظرة الأخيرة، حيث مدت يدها على كتفه وهمست بأشياء لم يسمعها أحد.
شقيقات يصرخن: 'يا حبيبي يا أخوي' وينثرن الورد فوق جسده، وأم تهبط إلى رأسه لتقبل جبينه فينزل دمعها على وجهه، تفرط إحدى شقيقاته ضمة ورد بيدها، وتقدمها لأمه، والتي قامت بنثره على أنحاء الشهيد، مرددة: 'الله يحنن عليك يمّا'، قبل أن يحمله الشبان على الأكتاف مرددين عبارات الانتقام والغضب، على محتل قتل دهسا قبل عام طفلة على بُعد عشرات الأمتار من بيت نشأت، وهي الطفل ايناس دار خليل 5 سنوات.
صديق الشهيد، يقول: 'كان نشأت عفويا وبسيطا في كل شيء، تصرفاته وملابسه، ويمازح جميع أهل سنجل، ومولع بأبنائه، وشديد التعلق بهم والدلال لهم، وعُرف بمساندته لفريق الطائرة'.
رصاصة في الصدر أصيب بها نشأت خلال مواجهات سنجل أمس الجمعة، استشهد على أثرها بعد ساعات قليلة، حيث غادر تاركا وراءه زوجة وثلاثة أطفال هم: جمال (5 سنوات)، ومحمد (4 سنوات)، وليان (3 سنوات)، وبلدة شهدت له حُب المزاح والضحك، والبسمة التي لا تفارقه.
طفلة الشهيد، تلهو بحضن والدته، التي قالت: 'كان نشأت أسدا، دائما في طليعة الأحداث، ومن المشاركين في كافة الفعاليات والمناسبات الوطنية'.
'أصيب نشأت بالرصاص، صرخ: أصبت برصاصة، والتفت إلى أصدقائه.. لم يصدقوه.. لأنه كان مبتسما وكأنه يمازحهم' هكذا وصف أحد أصدقائه المشهد الأخير.
هكذا يغادر الشهداء، مبتسمون دوما.