مراكش البداهة- محمود ابو الهيجاء
كل شيء هنا في مكانه ومكانته، الناس اولا بطيب السلالة، لهم ولها "سبعة رجال" اضرحة بأعمدة تصطف على مدخل المدينة، حراسا بالعلم والتقوى منذ التأسيس، والرجال السبعة هم سبعة معاجم معرفية وفقهية، اولياء اشتهروا بالزهد والتصوف والسعي الحثيث لاعمال الخير، ايقونات مازالت تحمل مراكش على اكف التنور والتفتح.
والنخيل ثانيا بمحمية طبيعية، لا تقطع النخلة هنا، فهي بركة البيت ومصدر خيراته وهي "العمة" التي اوصى بها الرسول محمد صلى الله عليه وسلم "اكرموأ عمتكم النخلة"، وثالثا تراب المدينة الاحمر قمصانا لبيوتها وابنيتها، وهواء هنا لا يحمل غير رائحة الارض بتاريخ مرابطيها وموحديها وسعدييها.
وللمدينة ساحة جامع "الفنا" مربط خيول الباحثين عن لحظة العجب، عن سحر البداهة، عن خفة الروح وغياب الجسد في حضرة المخيلة، ساحة كأنها قارة بحالها فيها من البشر اجناس واجناس، لغات تتقاطع ولهجات تتقابل، وبين منشدين وراقصين شعبيين تتسع الساحة لمسرح عفوي، فيما حواة الثعابين على مسرح آخر بذلك المزماز الذي يهدهد توجس المتفرجين، اكثر مما يحرك تلك "الكوبرا" السوداء، وبالطبع ثمة باعة لسلع بسيطة ومتنوعة، يلتقطون المشترين من عيونهم وبكلمات يصعب تجاهلها، حول الساحة حشد من المقاهي لا يعرف النادل فيها راحة، ولا يعرفون العبوس ايضا، وحولها ايضا اسواق تعج بحرفيات المدينة، ومطاعم برائحة الفلفل والنعناع البري ضالة الذواقة من كل مكان في المغرب، البلد الذي لا مغرب فيه سوى مغرب الشمس نهاية كل نهار.
ولها ايضا جامع الكتبية، يتوسط المدينة منذ الف عام تقريبا، وسمي بهذا الاسم لأنه كان يقع بالقرب من سوق لبيع الكتب، اجنحة وقباب ومنارة هي الصومعة، بحزام من النقوش في اعاليها بلون الفيروز، وست سنوات احتاجها الوزير احمد بن موسى في عهد الدولة العلوية لبناء قصر الباهية، وقد بات القصر لمراكش كلها، وليس لباهية الوزير وحدها التي اثملتها نقوش الخشب على بواباته، وزخارف بلاطه وقبابه، كما تثمل زواره اليوم، وهناك ايضا قصر البديع وقبور السعديين والقبة المرابطية هناك تاريخ تلك الايام، رأيته ماشيا بيننا يحدث بلغة عربية فصيحة، ويذكر باندلس غربت لكنها جاءت هنا لتشرق ثانية.
ولمراكش فيض من الفنادق اذ هي عاصمة السياحة في المغرب، فنادق على درجات منوعة من سبعة نجوم الى ثلاث، دون ان تكون هذه الاخيرة بلا هوية مهندمة واناقة جلية، في منطقة "جيليز" ثلاث نخلات من ارومة واحدة، لفندق من ثلاث نجوم، شربت فيه قهوة حلوة وهي المرة الاولى التي اشرب فيها قهوة السكر، كان المكان حلوا الى الحد الذي لم اجرؤ فيه على طلب القهوة المرة، لم اكن نزيل هذا الفندق بل ذهبت اليه لألتقي رواية ذكريات هناك، تصفحتها على مهل، ثم رحت اكتب فصولا جديدة فيها ومنها "طاجن البرقوق" والحديث عن اصدقاء من كازابلانكا قدموا من هناك لزيارتي في مراكش التي كنت فيها ضمن وفد فلسطيني من وزارة الاعلام للمشاركة في اعمال المنتدى الاعلامي الخاص بالقارة الافريقية بدعوة حميمة من الاشقاء المغاربة، ولأن فلسطين أفريقية على نحو ما تناضل هذه القارة السمراء في سبيل العدالة والحرية والكرامة الانسانية، وللحديث المراكشي بقية.