ارينا: أحلم برسم فلسطين حرّة
ضيف وفا (2)
- يامن نوباني
أعمال إبداعية من واقع الحياة في فلسطين، تراثيا واجتماعيا ونضاليا، تصوّر من خلالها ارينا ناجي المرأة الفلسطينية والطفل والحقل والبيت والفرح الفلسطيني، في علاقة متكاملة للعائلة والظروف والإرث.
ارينا القادمة من مدينة 'تيخا اكيانسك' في أقصى شرق روسيا، لأب ضابط في سلاح البحرية الروسية، والمُقيمة في مدينة غزة منذ العام 1994 رفقة زوجها الفنان التشكيلي ماهر ناجي.
تقول عن طفولتها: كانت سعيدة ومحزنة بنفس القدر، سعيدة لكثرة التنقل مع والدي، وحزينة لهجر الأصدقاء الذين تشكلوا في كل ترحال. أجمل ذكرياتي كانت الرحلات الصيفية إلى قرية جدتي في ضواحي سان بطرسبورغ حيث البحيرة وجداول المياه والركض خلف الفراشات، فقد كان لهذه المناظر أثرا في تشكل خيال ايرينا الفنانة المستقبلية.
وتضيف: أنهيت المدرسة عام 1982، وبالتوازي أنهيت المدرسة الفنية للأطفال في مدينة سيفاستوبل، ثم انتقلت عام 1984 الى أكاديمية الفنون التطبيقية 'بارون شتيغلس' في مدينة سان بطرسبورغ حتى العام 1989.
ينبع التصاق ارينا بفلسطين من نظرتها للقضية، فتقول: القضية الفلسطينية ليست شيئا مجردا يمكن الحديث عنه وكأنه بعيد، بل تفاصيلنا، والصباح والمساء هي الحياة اليومية بكل ما تحويه، هي أطفالنا وحياة شعب بحروبه وأحزانه ومخيماته والحصار والصمود، والأمل بصباح أفضل وغد أكثر إشراقا، مَن يولدون ومن يغادرون يوميا شهداء، كل تفاصيل القضية بحلوها ومرها تهيمن على مسيرتي الفنية.
ترسم ارينا فلسطينيات بالثوب المطرز يزغردن في مواسم العرس الفلسطيني، وأخريات يقطفن العنب، بينما يحمل صغارهن السلال، وفي مشهد آخر كوب شاي تقدمه فلاحة فلسطينية لزوجها، بينما طفلهما يلهو على ركبتيه، وفي مشهد ثالث ترسم بيتا قديما يحمل كل معاني الحياة الريفية الفلسطينية، حيث حوش الدار، والجرة الكبيرة بمنتصفه، ومائدة الإفطار من بيض مسلوق وبصل أخضر وخبز طابون، وجرة ماء طرف المائدة، كما ترسم أرينا كعك القدس يحمله طفلان على رأسيهما، وآخر يمد يده ليلتقط واحدة، وثالثا يتذوقه، وشابة مزيونة تغطي شعرها بالكوفية تحمل دلة قهوة وفناجين، وموسم قطف البرتقال والزيتون والصبر، ومراحل صنع الخبز الفلسطيني، ونساء وموقدة وإناء عجين، وأخريات ينقلن ماء النبع بالجرار.
ترى ارينا أن المرأة والأم الفلسطينية مصدر أمل وفرح وفخر للقضية الفلسطينية، ومنبع عطاء، وترى الفلاحة الفلسطينية بعيونها وجمالها وأثوابها وحزنها وحراستها للأرض، ودورها في النضال، فهي التي تحيك ملابس الفدائيين، وتُعلم أطفالها معنى الوطن، وتقدم أبناءها شهداء، 'هذه المرأة تستحق أن تحتل رسوماتي وأعمالي الفنية، وأفخر أن أكون واحدة منهن' تقول ارينا.
لم يتبقَ شيء من عادات وتقاليد وتراث فلسطين لم ترسمه ارينا.. جسدت الحياة في البيت والريف والإنسان الفلسطيني على طبيعتها، تمشي مع قارئ اللوحة بيئة فلسطين، تنقله بدهشة من موسم إلى آخر، عائلة فلسطينية من زوج وزوجة وأطفالهما يُشعلون ناراً في كانون الحطب 'الموقدة'، ويتجمهرون حولها طلبا للدفء وتبادل الحديث، بينما يصعد دخان من فوهة إبريق شاي حيث اعتاد الفلسطينيون أن يكون كانون الحطب مكانا ورمزا خاصا للبت في الأمور العائلية، ومجلس للنكات والمرح، الى رعي الماعز وحصاد القمح، كما رسمت قبة الصخرة المشرفة.
وحول المجيء إلى فلسطين وانطلاق ريشتها بأعمال تُلخص الحياة فيها، تقول: حين وصلت فلسطين تحوّلت حياتي كفنانة، مشدوهة بحياة الشرق الصاخبة وألوانه الصارخة، مقارنة بالهدوء في بطرسبورغ، اضافة لإيماني بعدالة القضية الفلسطينية، فكرست جلّ وقتي ونتاجي الفني لتفاصيلها، بما تحويها من أمل وألم ومحطات وعشق وتراث، وما زلت أعيد تقديم الموروث الثقافي الفني بطريقتي، بوصف الواقع الحقيقي كما هو، وإبراز ملامحه الخاصة، وتميزه عن الثقافات في العالم.
تعشق ايرينا عملها وتراه حياتها، وتصفه بالقول: العمل بالنسبة لي حالة حياة تبدأ مع العمل ولا تنتهي بالانتهاء منه، حيث إن العمل يدخل مرحلة جديدة من الحياة، والصداقة القائمة بيننا في فترة إنجازه تتعمق مع كل لحظة، إلى درجة الدخول في توحد يحزنك عندما تشعر أن هذه العلاقة على مشارف نهايتها .
أولى مشاركاتي الفنية كانت معرضا جماعيا في مدرسة الفنون بمدينة سيفاستوبل، ثم توالت المعارض بمدينة سان بطرسبرغ. وشاركت مع الفنانين ماهر ناجي وفتحي غبن في معرض ثلاثي في قاعة الأخوين لاما في غزة، وكانت هذه أولى مشاركاتي في فلسطين، لتتوالى بعد ذلك المشاركات في رام الله والقدس وإسبانيا وأستراليا والإمارات العربية.
تعتبر سان بطرسبرج عاصمة السياحة والفنون والثقافة الروسية، حيث فيها أكبر متاحف العالم 'متحف الارميتاج'، مع 3 ملايين تحف فنية، وهو أقدم المتاحف والمعارض الفنية والبشرية والتاريخية والثقافية في العالم، وله فروع دولية تقع في أمستردام، ولندن، ولاس فيغاس وفيرارا (إيطاليا) ويحمل متحف الارميتاج سجل غينيس لأكبر مجموعة من اللوحات في العالم. وعنها تقول ايرينا: سان بطرسبورغ هي المدينة التي تشكل فيها وعيي كفنانة، المدينة الكبيرة التي تعج بالحياة والمعالم المعمارية بطرازها الكلاسيكي، أما غزة فتختلف تماما، فهي مدينة جاثمة على شاطئ المتوسط الشرقي تحمل أوزار الاحتلال وعذابات الحصار، وهذا دفعني للدفاع عنها برسوماتي وأفكاري في داخل اللوحات.
وتقول ارينا: شعب يملك الحب والأمل، يستحق حياة كباقي شعوب العالم، شعب في واقعه طيب وصلب ومناضل من أجل إرادته المسلوبة. أكون سعيدة وريشتي تنقل واقعه وتفاصيله.
الفنانة التي رسمت مشاهد النكبة والتهجير، تتمنى أن تنجز عملاً يوثق لحظة الخلاص من الاحتلال وعودة فلسطين، الإنسان لأرضه والبيت لأصحابه.