جنازة مسروقة- دعاء زاهدة
بوابة خضراء حديدية تفضي بك إلى ممر طويل بارد، إلا من صدى همسات تتردد في الأرجاء. نحيب خافت يأتي من خلف باب أبيض في أقصى الممر، تحاول استراق النظر من شق الباب، فترى بوضوح رجال تخفي دموعها في أحداق العيون، وبعضهم الآخر يسرق نظرة أخيرة على جسد الشهيد مؤيد جبارين، وشبان يرتلون عليه ما أمكنهم من آيات قرآنية قبيل لحظة الوداع.
في نفس المشهد وعلى بعد خطوات فقط، يقف رجال متوشحين الكوفية الفلسطينية، وفي عيونهم آثار تعب، يناقشون حركة المرور، ويجرون اتصالات مستمرة مع سائقي السيارات العمومية، وبعض السكان القاطنين بالقرب من مداخل بلدة سعير، محاولين إيجاد طريقة أسرع لإيصال جثمان الشهيد الجبارين إلى منزل ذويه، لتتمكن والدته ونساء العائلة من وداعه، فالطريق الاعتيادية، مغلقة أو ممنوعة.
يقول ابن عم الشهيد رشاد جبارين: "لم نستطع صباحا استعمال مخارج أو مداخل سعير الاعتيادية، فمفترق "بيت عينون" مغلق، والطريق من وادي الشرق التي كنا نستعملها، أضحت مغلقة بشكل كامل أمام حركة المارة والسيارات، مما اضطرنا إلى التوجه لبلدة بني نعيم سالكين طريق وادي الجوز، مروراً بالشارع الالتفافي لنستطيع الوصول الى مدينة الخليل".
وأضاف: "كان هنالك أحاديث حول التنسيق لاستعمال المدخل الرئيسي لبلدة سعير، ولكن كل المساعي ذهبت سدى، ولا طريق أمامنا إلا أن نسلك طرق التفافية من بلدات مجاورة".
والد الشهيد، يجلس بصمت، فالصمت سيد الموقف حوله، تخونه كلماته في وصف ابنه، تخرج منه حروفه بصعوبة: "مؤيد شاب مؤدب عاقل، يا ريت لو كل الشباب مثله، كان من عمله إلى المنزل ومن المنزل إلى العمل".
أما حول تفاصيل استشهاده، فيقول: "مؤيد بشتغل عامل، وكل طموحه كان أن يعيش حياة سعيدة وكريمة، خرج صباحاً لشراء ملابس جديدة. تلقيت اتصالا هاتفيا بوجود شهيد على مفترق "بيت عينون" ولم يتبادر إلى ذهني أن يكون الشهيد هو ابني، حتى تأكد الاسم، فوقع الخبر في قلوبنا موقع الصدمة، فلا أحد توقع يوماً أن نفقد مؤيد".
سيارة الإسعاف التي تحركت في ساعات الصباح من المستشفى الأهلي بالخليل، في موكب جنائزي شارك فيه أهالي بلدة سعير، استغرقت 40 دقيقة للوصول إلى مسقط رأسه، عوضاً عن 20 دقيقة، ليستقبل أهالي بني نعيم موكب الشهادة بالزغاريد على أسطح المنازل، قبل أن يوارى الثرى في مقبرة الشهداء في بلدته سعير.
وقدمت بلدة سعير، ومنذ بداية الهبة الشعبية في تشرين أول/اكتوبر من العام الماضي 12 شهيداً.