أوروبا لإسرائيل: كفى احتلالاً- باسم برهوم
أخيراً أوروبا تنتفض وترفع صوتها في وجه اسرائيل وتقول لها كفى احتلالا للأراضي الفلسطينية. قلنا عندما اعترفت السويد بالدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حُزيران 1967، إن هذه الخطوة هي تعبير عن ضمير أوروبا الحُر. ونرى اليوم في تصريحات وزيرة الخارجية السويدية مارغو ولستورم المتلاحقة والمنددة والمنتقدة لسياسات وممارسات دولة الاحتلال الاسرائيلي المُنافية للقانون الدولي، التي كان آخرها تصريح، طالبت فيه بالتحقيق بالإعدامات الميدانية التي تقوم بها اسرائيل بحق الفلسطينيين، نرى هذه التصريحات تعبيراً عن صحوة ضمير أوروبية.
لماذا صحوة أوروبية؟ لأن السويد ليست وحدها من يرفع الصوت في وجه اسرائيل، دولة الاحتلال، بل الاتحاد الأوروبي بدوله الـ 28، بدأت تقول لإسرائيل "كفى احتلالاً". هناك قرار على طاولة الاجتماع الشهري القادم لوزراء خارجية الاتحاد يقضي بالتمييز في كل التعاملات الأوروبية بين اسرائيل وبين الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ العام 1967، كما سيؤكد القرار على مبدأ حل الدولتين. مشروع القرار الذي وضع الحكومة الاسرائيلية في حالة طوارئ، سبقه سلسلة قرارات وخطوات أوروبية تتضمن الرسالة نفسها لإسرائيل، كفى احتلالاً، ومن أبرزها قرار الاتحاد الاوروبي في تشرين الثاني الماضي بوضع علامات على بضائع المستوطنات في الاسواق الأوروبية، بالإضافة الى اعتراف البرلمان الاوروبي وعشرة برلمانات دول أوروبية بالدولة الفلسطينية.
قد يتساءل المرء لماذا هذه الصحوة للقارة العجوز؟ خصوصاً أن أوروبا الاستعمارية هي المسؤولة سياسياً وأخلاقياً عن مأساة الشعب الفلسطيني، وكافة المآسي التي شهدتها ولا تزال تشهدها المنطقة العربية. أوروبا الاستعمارية، وبالتحديد بريطانيا وفرنسا هما من وضع خطة تجزئة الوطن العربي وتقسيمه الى مناطق نفوذ بينها في اتفاقية "سايكس بيكو"، عام 1916، وعبر وعد بلفور البريطاني عام 1917، الذي هو جذر المأساة الفلسطينية وكل التداعيات اللاحقة في الشرق الأوسط، حتى هذه اللحظة بكل ما فيها من حروب دامية في كل من سوريا والعراق واليمن وليبيا.
بريطانيا هي التي وعدت يهود أوروبا والعالم بإقامة وطن قومي لهم في فلسطين ونفذت هذا الوعد خلال فترة انتدابها لفلسطين في الفترة الممتدة منذ نهاية الحرب العالمية الأولى 1918 والى العام 1948، ولم تخرج من فلسطين إلا بعد ان ضمنت اقامة دولة اسرائيل على انقاض الشعب الفلسطيني.
اذن لماذا هذه الصحوة الأوروبية الآن؟ ولماذا ترغب أوروبا اليوم بإنهاء الاحتلال للأراضي الفلسطينية؟
من دون شك أن لأوروبا مصلحة مباشرة بإيجاد حل للصراع الفلسطيني- الاسرائيلي على اساس مبدأ حل الدولتين. أوروبا التي تكتوي اليوم بنار تدفق الارهاب واللاجئين اليها من الدول العربية المنكوبة بحروب الكبار والصغار على اراضيها باتت تدرك أن استقرارها اصبح مرهوناً باستقرار الشرق الأوسط، وأن استقرار هذا الأخير لن يكون مؤكداً وحقيقياً، إلا بإنهاء الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، باعتباره هو الجذر الحقيقي لكل التداعيات اللاحقة، والذريعة التي يتخذها المتطرفون كي يمارسوا ارهابهم.
هذه الصحوة الأوروبية، التي فيها اساساً مصلحة لأوروبا ذاتها، مصلحة سياسية واقتصادية واخلاقية، فإنها كي تصبح صحوة ضمير حقيقية يجب ان تتحول الى فعل وممارسة مستمرة ومتواصلة، ولكي تكون كذلك لا بد أن تبدأ باعتذار أوروبا الحالية عما فعلته أوروبا الاستعمارية بحق العرب، واعتذار بريطانيا للشعب الفلسطيني عن وعد بلفور الذي انتهك كل القوانين الانسانية، عندما تصرفت بريطانيا بأرض ليست ارضها ولا من ممتلكاتها.
يدرك الفلسطينيون أن هناك واقعاً قد تكرس بفعل هذا الوعد. واقعاً من الصعب تجاوزه، ولكن أي صحوة حقيقية من وجهة نظرنا لا بد أن تبدأ بالجانب الأخلاقي أولاً الذي يحفظ لأوروبا انسانيتها وثقافتها وحضارتها قبل أن يحفظ لنا حقوقنا.
ومع ذلك فإننا نحن الفلسطينيين، الذين لا يزال دمنا يسيل منذ مئة عام، نرى بالصوت الأوروبي الأخذ بالارتفاع تدريجياً في وجه دولة الاحتلال، هو بداية لخروجنا من النفق المظلم الذي طال أمد وجودنا فيه، بسبب صمت وتواطؤ المجتمع الدولي مع اسرائيل التي استمرأت واقعاً تكون فيه دولة فوق القانون والمحاسبة.