الحج إلى قاع العالم
بسام أبو الرب
في الطريق من نابلس إلى محافظة أريحا والوصول إلى الضفة الغربية لنهر الاردن، كانت العاصفة الرميلة في بداياتها والرياح القوية تضرب البلاد، فلم تكن قيادة المركبة بالسهلة حتى الوصول الى الوجهة المحددة، خاصة على اولئك المؤمنين من الروم الأرثوذكس الذي شاركوا في احتفالات عيد الغطاس (الحج المسيحي) على ضفة النهر؛ فهو المكان الذي تعمد به المسيح على يد يوحنا المعمدان.
بعد تجاوز عشرات الكيلومترات والدخول لما يطلق عليه شارع (90) وبالاتجاه يمينا نحو ما يسمى دير يوحنا المعمدان تجد نقطة حدودية اقامها الاحتلال، وتقف تنتظر حافلات تقلك حتى ضفاف نهر الاردن، ثم يسمح بالدخول بالمركبات الخاصة وركنها بعيدا عن الحدود التي ترى فيها شواهد لبعض المعالم المسيحية المحاطة باسلاك شائكة، وعليها شعارات تحذر من الاقتراب بسبب الالغام.
وبعد قطع المسافة مشيا على الأقدام ترى افواجا من المسيحيين، تهم بالوصول الى ضفة النهر الغربية حتى الدخول الى مساحة امتلأت بالحجاج، الذين جاءوا من شتى بقاع العالم للتعميد في مياه نهر الاردن، وإقامة الصلوات والقداس في المكان.
بعد انتهاء القداس يقوم البطريرك بتقديس الماء لينزل الجميع إلى مياه النهر بعد أن يرمي الصليب فيه، واكليل الريحان ويرش الجميع بالمياه المقدسة دلالة على أنهم نالوا بركة هذا الموقع المقدس، ويرتدي الحاج المؤمن ملابس دينية خاصة باللون الابيض، ترمز إلى الطهارة والنور يرتديها رجل الدين والشخص المتعمد بعد أن ينزع كل قطعة من ملابسه الاعتيادية.
على مقربة من مياه النهر تقف سيدة جاءت من عبلين في الجليل، تحاول أن تملأ قارورة من ماء النهر، وتقول "نملأه ونأخذه ونرشه في البيت ونباركه".
وعلى بعد امتار يقف مسيحيون على الضفة الشرقية الأخرى من النهر، يرفعون أيديهم ليلقوا التحية على المؤمنين الواقفين على الضفة الغربية، وتفصل بينهم المياه والتي يحددها خط فاصل على طول المنطقة، فيما تقرع أجراس الكنائس مع الترانيم المسيحية بين الضفتين، ذلك المشهد كأنه وحد الضفتين وجمع بينهما بالترانيم واجراس الكنائس التي تعدت الحدود.
دقائق وترى اللون الأبيض اجتاح مياه النهر، وأصبح الحجاج يغطسون فيها حتى الرؤوس، ومنهم من جلس يشاهد وهو يذرف الدموع.