الموقف.. الأمن القومي، وقوم الأمن - حسن سليم
الأمن القومي، وفق ما يعرفه المختصون بقطاع الأمن، عبارة عن الاجراءات التي تتخذها الدولة في حدود طاقاتها، للحفاظ على كيانها ومصالحها في الحاضر والمستقبل مع مراعاة المتغيرات الإقليمية والدولية. وفي السياسة يعتبر أحد أهم ركائز ضمانات السيادة الواجبة حمايتها من أي مساس، سواء كان المساس بفعل من الخصوم أو الخوارج في الداخل، أو من قبل الخارج ومنهم الاحتلال الذي لا يتوقف عن تهشيم مقومات الدولة المنشود إقامتها. إذا الأمن القومي لا يخص الدولة فقط، كجسم، بل الدولة بشعب طامح للعيش بحاضر آمن ومستقر، ومستقبل خال من المخاطر، وحمايته ليست مهمة فردية، أو مرحلة آنية، بل جماعية ودائمة لا تتوقف. وللعبث باستقرار الدول الاخرى، او الافراد الاخرين، او لتحسين مكاسب اكثر منها، يتم اللجوء لسلوك "التجسس"، وهو السلوك المستخدم للمساس بالامن القومي ولخدمة الجهة المتجسسة، فعل لا تنحصر ممارسته من قبل الدول على دول معادية، بل يحدث ايضا بين الدول الصديقة والمتحالفة، وهو بالاساس سلوك بشري يمارسه الافراد منذ بدء الخليقة، بغض النظر ان كان الدافع ايجابيا، بهدف ضمان حسن السير والسلوك، او سلبيا للاطلاع على الاسرار وخبايا الامور لاستغلالها من قبل الطرف المتجسس. وفي علاقة الصراع بيننا وبين الاحتلال، فان التجربة حافلة بقصص التجسس، فقد نظم الاحتلال الاف العملاء وزرعهم في كل مكان، بدءا من الحواري والحارات، ومرورا بالمعتقلات، وصولا الى مراكز القيادة ودوائر صنع القرار، وما زال يمارس هذا السلوك الوضيع، ولن يتوقف. في الاسبوع المنصرم تسرب خبر يفيد كشف جهاز المخابرات العامة عمن قالت عنه، انه عميل زرعه الاحتلال في دائرة شؤون المفاوضات، منذ عشرين عاما، فيما رافق ذلك الخبر سيلٌ من الفرضيات والتحليلات- بالطبع لكل دوافعه– لكن ما يمكن الاتفاق حوله ان معالجة القصة واخراجها للجمهور وتعريفه بحقيقة ما حدث، محزن بكل المقاييس، سواء على الصعيد الاعلامي او السياسي، أو حتى المهني. ان كشف عميل مزورع في دائرة مهمة، كدائرة شؤون المفاوضات، ومطلع على وثائق، يشكل كشفها وتسريبها مساساً بالامن القومي، لا ينبغي ان تكون الية التعامل معه كالتي حدثت، بل كان ينبغي الاهتمام بما هو اهم من مجرد كشف الخبر، كالاعتبار مما حدث، مثلا، والاستفادة من التجربة، وان يشهد اليوم التالي بداية لورشة امنية، تجتاج المؤسسات، بشكل مهني، ودون مساس باستقرارها، دون تحويل النظام على طريقة الدولة البوليسية، في ادارة الاحداث، لكن الحيطة والثقة لا يجب ابدا ان تلغي الحذر. وحتى لا يكون طرق هذا الملف من باب التدخل في قطاع لا خبرة لنا فيه، فان المقترح هو استخدم السؤال العاشر- المفترض انه خطأ- لكن ليكن، اذا كان في ذلك مصلحة لاستنهاض المهنية وحماية أمن البلد من الخراب, بالحد الذي نستطيع. ومن امثلة السؤال العاشر، هل من كشف دوري "امني" على موظفي الدولة، للتأكد من عدم اختراق اجهزة امن الاحتلال لهم، ولا سيما العاملين في الدوائر الحساسة؟ وفي حالات التسريب الكثير للوثائق التي حدثت، وتحدث كل يوم، هل تم تحديد منابع التسريب، وطمرها، وان كانت الاجابة نعم، ما الحكمة من عدم اطلاع الجمهور على تفاصيلها، ومحاكمة مرتكبيها, لضمان الردع. حماية الامن القومي، هل هي مسؤولية قوم الامن، ام هي مسؤولية الكل الوطني؟ ولماذا تغيب عن مناهجنا المدرسية، ولا سيما في مواد التربية الوطنية، مواضيع الثقافة الامنية التي تفيد التحصين من السقوط في مستنقعات التجنيد لصالح دولة الاحتلال, ام ان المعرفة مفترضة؟ وحتى لا تكون قصة العميل المُكتشف، ملهاة للقراء، وقصة للتندر والتأليف لهواة قص الاخبار ولصقها، فان الامر ينبغي ان يخرج لدائرة اكبر واهم. وبين من يعتبرها انجازاً للاجهزة الامنية بكشفها لعميل عتيق، وبين من يستخدم القصة للطعن في نزاهة ووطنية النظام السياسي، وعدم تصديقه ان دولة الاحتلال تحتاج لتجنيد عملاء في مؤسسات السلطة، ينبغي التذكير، لمن اعتبرها انجازاً، باننا خسرنا مواطنا كان المفترض ان يكون دوره في البناء وليس في الهدم، وبان الايام القادمة يجب ان تكون اياماً للعمل لترميم ما حدث، ومنع تكراره، وتحصين ابنائنا، ومؤسساتنا، وتذكير من لم يصدق قصة التجنيد، بحالة كشف الادارة الاميركية لجاسوس اسرائيلي، رغم ان الدولتين زواجهما لا انفصال فيه، ومع ذلك حدث.